للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ الْأَذْكِيَاءُ الْعُدُولُ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَالْعَدَالَةَ دَاخِلَانِ فِي مُسَمَّى النَّاسِ فَكَذَا هَاهُنَا.

السُّؤَالُ السَّادِسُ:

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى جَنَّةَ عَدْنٍ قَالَ/ لَهَا تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ»

وَقَالَ كَعْبٌ: «خَلَقَ اللَّه آدَمَ بِيَدِهِ وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ وَغَرَسَ شَجَرَةَ طُوبَى بِيَدِهِ، ثم قال لَهَا تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» ،

وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إِذَا أَحْسَنَ الْعَبْدُ الْوُضُوءَ وَصَلَّى الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَحَافَظَ عَلَى رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَمَوَاقِيتِهَا قَالَتْ حَفِظَكَ اللَّه كَمَا حَافَظْتَ عَلَيَّ، وَشَفَعَتْ لِصَاحِبِهَا. وَإِذَا أَضَاعَهَا قَالَتْ أَضَاعَكَ اللَّه كَمَا ضَيَّعْتَنِي وَتُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلِقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا»

الْجَوَابُ: أَمَّا كَلَامُ الْجَنَّةِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا أُعِدَّتْ لِلْمُؤْمِنِينَ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْقَوْلِ مِنْهَا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فُصِّلَتْ: ١١] وَأَمَّا أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ فَالْمُرَادُ تَوَلَّى خَلْقَهَا لَا أَنَّهُ وَكَلَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا أَنَّ الصَّلَاةَ تُثْنِي عَلَى مَنْ قَامَ بِحَقِّهَا فَهُوَ فِي الْجَوَازِ أَبْعَدُ مِنْ كَلَامِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَرَكَاتٌ وَسَكَنَاتٌ وَلَا يَصِحُّ عَلَيْهَا أَنْ تَتَصَوَّرَ وَتَتَكَلَّمَ فَالْمُرَادُ مِنْهُ ضَرْبُ الْمَثَلِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِلْمُنْعِمِ إِنَّ إِحْسَانَكَ إِلَيَّ يَنْطِقُ بِالشُّكْرِ.

السُّؤَالُ السَّابِعُ: هَلْ تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ مَخْلُوقَةٌ؟ الْجَوَابُ: قَالَ الْقَاضِي دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: أُكُلُها دائِمٌ [الرَّعْدِ: ٣٥] عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَخْلُقُ اللَّه الْجَنَّةَ مِيرَاثًا لِلْمُؤْمِنِينَ أَوْ وَإِذَا خَلَقَهَا تَقُولُ عَلَى مِثَالِ مَا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ [الْأَعْرَافِ: ٥٠] وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ إِضْمَارُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُضْمَرَ فِي قَوْلِهِ:

أُكُلُها دائِمٌ [الرعد: ٣٥] ثُمَّ إِنَّ أُكُلَهَا دَائِمٌ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ هَذَانِ الظَّاهِرَانِ فَنَحْنُ نَتَمَسَّكُ فِي أَنَّ الْجَنَّةَ مَخْلُوقَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آلِ عمران: ١٣٣] .

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٢ الى ١٧]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)

وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧)

اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَمَرَ بِالْعِبَادَاتِ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالِاشْتِغَالُ بِعِبَادَةِ اللَّه لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْإِلَهِ الْخَالِقِ، لَا جَرَمَ عَقَّبَهَا بِذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ وَاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ فَذَكَرَ مِنَ الدَّلَائِلِ أَنْوَاعًا:

النوع الْأَوَّلُ: الِاسْتِدْلَالُ بِتَقَلُّبِ الْإِنْسَانِ فِي أَدْوَارِ الْخِلْقَةِ وَأَكْوَانِ الْفِطْرَةِ وَهِيَ تِسْعَةٌ:

الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ وَالسُّلَالَةُ الْخُلَاصَةُ لِأَنَّهَا تُسَلُّ مِنْ بَيْنِ الْكَدَرِ، فُعَالَةٌ وَهُوَ بِنَاءٌ يَدُلُّ عَلَى الْقِلَّةِ كَالْقُلَامَةِ وَالْقُمَامَةِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي الْإِنْسَانَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: الْمُرَادُ مِنْهُ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَآدَمُ سُلَّ مِنَ الطِّينِ وَخُلِقَتْ ذُرِّيَّتُهُ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَا الْكِنَايَةَ رَاجِعَةً إِلَى الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ وَلَدُ آدَمَ، وَالْإِنْسَانُ شَامِلٌ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِوَلَدِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>