للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: لَفْظُ التَّحْدِيثِ يُفِيدُ الِاسْتِئْنَاسَ وَهُنَاكَ لَا اسْتِئْنَاسَ فَمَا وَجْهُ هَذَا اللَّفْظِ الْجَوَابُ: أَنَّ الْأَرْضَ كَأَنَّهَا تَبُثُّ شَكْوَاهَا إِلَى أَوْلِيَاءِ الله وملائكته. أما قوله تعالى:

[[سورة الزلزلة (٩٩) : آية ٥]]

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥)

فَفِيهِ سُؤَالَانِ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: بِمَ تَعَلَّقَتِ الْبَاءُ في قوله: بِأَنَّ رَبَّكَ؟ الجواب: بتحدث، وَمَعْنَاهُ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِسَبَبِ إِيحَاءِ رَبِّكَ لَهَا.

السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ لَمْ يَقُلْ أَوْحَى إِلَيْهَا؟ الْجَوَابُ: فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَوْحى لَها أَيْ أَوْحَى إِلَيْهَا وَأَنْشَدَ الْعَجَّاجُ:

«أَوْحَى لَهَا الْقَرَارَ فَاسْتَقَرَّتِ» الثَّانِي: لَعَلَّهُ إِنَّمَا قَالَ لَهَا: أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِأَجْلِهَا حَتَّى تَتَوَسَّلَ الْأَرْضُ بِذَلِكَ إِلَى التَّشَفِّي مِنَ الْعُصَاةِ.

[[سورة الزلزلة (٩٩) : آية ٦]]

يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦)

الصُّدُورُ ضد الورد فَالْوَارِدُ الْجَائِي وَالصَّادِرُ الْمُنْصَرِفُ وَأَشْتَاتًا مُتَفَرِّقِينَ، فَيُحْتَمَلُ أن يردوا الأرض، ثم يصدرون عنها الْأَرْضِ إِلَى عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرِدُوا عَرْصَةَ الْقِيَامَةِ لِلْمُحَاسَبَةِ ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا إِلَى مَوْضِعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: أَشْتاتاً أَقْرَبُ إِلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَفْظَةُ الصَّدْرِ أَقْرَبُ إِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ: لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَعْمَالِهِمْ مَكْتُوبَةً فِي الصَّحَائِفِ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ رُؤْيَةِ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ، وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى رُؤْيَةِ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ، وَقَوْلُهُ: أَشْتاتاً فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّ بَعْضَهُمْ يَذْهَبُ إِلَى الْمَوْقِفِ رَاكِبًا مَعَ الثِّيَابِ الْحَسَنَةِ وَبَيَاضِ الْوَجْهِ وَالْمُنَادِي يُنَادِي بَيْنَ يَدَيْهِ: هَذَا وَلِيُّ اللَّهِ، وَآخَرُونَ يُذْهَبُ بِهِمْ سُودَ الْوُجُوهِ حُفَاةً عُرَاةً مَعَ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ وَالْمُنَادِي يُنَادِي بَيْنَ يَدَيْهِ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ وَثَانِيهَا: أَشْتاتاً أَيْ كُلُّ فَرِيقٍ مَعَ شَكْلِهِ، الْيَهُودِيُّ مَعَ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيُّ مَعَ النَّصْرَانِيِّ وَثَالِثُهَا: أَشْتَاتًا مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْمَقْصُودَ وَقَالَ: لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لِيُرَوْا صَحَائِفَ أَعْمَالِهِمْ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ يُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: هَذَا طَلَاقُكَ وَبَيْعُكَ هَلْ تَرَاهُ وَالْمَرْئِيُّ وَهُوَ الْكِتَابُ وَقَالَ آخَرُونَ: لِيَرَوْا جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَ اسْمَ الْعَمَلِ عَلَى الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ الْجَزَاءُ وِفَاقٌ، فَكَأَنَّهُ/ نَفْسُ الْعَمَلِ بَلِ الْمَجَازُ فِي ذَلِكَ أَدْخَلُ مِنَ الْحَقِيقَةِ،

وَفِي قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيُرَوْا بالفتح.

ثم قال تعالى:

[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ٧ الى ٨]

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مِثْقالَ ذَرَّةٍ أَيْ زِنَةَ ذَرَّةٍ قَالَ الْكَلْبِيُّ: الذَّرَّةُ أَصْغَرُ النَّمْلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا وَضَعْتَ رَاحَتَكَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعْتَهَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا لَزِقَ بِهِ مِنَ التُّرَابِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَمِلَ خيرا أو شرا،

<<  <  ج: ص:  >  >>