السَّطْحِ وَكَلِمَةُ مَعَ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي مُتَمَكِّنَيْنِ يُفْهَمُ مِنْهَا اقْتِرَانُهُمَا بِالذَّاتِ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو إِذَا اسْتُعْمِلَ هَذَا فَإِنْ كَانَ اللَّهُ فِي مَكَانٍ وَنَحْنُ مُتَمَكِّنُونَ، فَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التَّوْبَةِ: ٤٠] وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَعَكُمْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلِاقْتِرَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ كَلِمَةُ مَعَ تُسْتَعْمَلُ لِكَوْنِ مَيْلِهِ إِلَيْهِ وَعِلْمِهِ مَعَهُ أَوْ نُصْرَتِهِ يُقَالُ الْمَلِكُ الْفُلَانِيُّ مَعَ الْمَلِكِ الْفُلَانِيِّ، أَيْ بِالْإِعَانَةِ وَالنَّصْرِ، فَنَقُولُ كَلِمَةُ عَلَى تُسْتَعْمَلُ لِكَوْنِ حُكْمِهِ عَلَى الْغَيْرِ، يَقُولُ الْقَائِلُ لَوْلَا فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ لَأَشْرَفَ فِي الْهَلَاكِ وَلَأَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لَوْلَا فُلَانٌ عَلَى أَمْلَاكِ فُلَانٍ أَوْ عَلَى أَرْضِهِ لَمَا حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَا أَكَلَ/ حَاصِلَهَا بِمَعْنَى الْإِشْرَافِ وَالنَّظَرِ، فَكَيْفَ لَا نَقُولُ فِي اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ إِنَّهُ اسْتَوَى عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ كَمَا نَقُولُ هُوَ مَعْنَاهُ بِعِلْمِهِ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الْأَنْعَامِ: ١٠٣] وَلَوْ كَانَ فِي مَكَانٍ لَأَحَاطَ بِهِ الْمَكَانُ وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يُرَى وَإِمَّا أَنْ لَا يُرَى، لَا سَبِيلَ إِلَى الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ فِي مَكَانٍ وَلَا يُرَى بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ يُرَى فَيُرَى فِي مَكَانٍ أَحَاطَ بِهِ فَتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانٍ فَسَوَاءٌ يُرَى أَوْ لَا يُرَى لَا يَلْزَمُ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ. أَمَّا إِذَا لَمْ يُرَ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا إذا رؤي فَلِأَنَّ الْبَصَرَ لَا يُحِيطُ بِهِ فَلَا يُدْرِكُهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ الْبَصَرَ لَا يُحِيطُ بِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَحَاطَ بِهِ الْبَصَرُ فَلَهُ مَكَانٌ يَكُونُ فِيهِ وَقَدْ فَرَضْنَا عَدَمَ الْمَكَانِ، وَلَوْ تَدَبَّرَ الْإِنْسَانُ الْقُرْآنَ لَوَجَدَهَ مَمْلُوءًا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ كَوْنِهِ فِي مَكَانٍ، كَيْفَ وَهَذَا الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ هَذَا الْقَائِلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى كَوْنِهِ فِي الْمَكَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى الْمَكَانِ لَكَانَ قَدْ حَصَلَ عليه بعد ما لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَقَبْلَهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَكَانٍ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مُحَالَانِ أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الْمَكَانِ أَزَلِيًّا، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَدَّعِي مُضَادَّةَ الْفَلْسَفِيِّ فَيَصِيرُ فَلْسَفِيًّا يَقُولُ بِقِدَمِ سَمَاءٍ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالثَّانِي: جَوَازُ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يُفْضِي إِلَى حُدُوثِ الْبَارِي أَوْ يُبْطِلُ دَلَائِلَ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكَانٌ وَمَا حَصَلَ فِي مَكَانٍ يُحِيلُ الْعَقْلُ وَجُودَهُ بِلَا مَكَانٍ، وَلَوْ جَازَ لَمَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْجِسْمَ لَوْ كَانَ أَزَلِيًّا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَزَلِ سَاكِنًا أَوْ مُتَحَرِّكًا لِأَنَّهُمَا فَرَّعَا الْحُصُولَ فِي مَكَانٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِحُدُوثِ اللَّهِ أَوْ عَدَمُ الْقَوْلِ بِحُدُوثِ الْعَالِمِ، لِأَنَّهُ إِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ قَبْلَ الْمَكَانِ لَا يَكُونُ فَهُوَ الْقَوْلُ بِحُدُوثِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجِسْمُ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانٍ ثُمَّ حَصَلَ فِي مَكَانٍ فَلَا يَتِمُّ دَلِيلُهُ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَقُولَ بِحُدُوثِهِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ إِنَّكَ تُشَبِّهُ اللَّهَ بِالْمَعْدُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مَكَانٍ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ جَعَلَهُ مَعْدُومًا حَيْثُ أَحْوَجَهُ إِلَى مَكَانٍ، وَكُلُّ مُحْتَاجٍ نَظَرًا إِلَى عَدَمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَعْدُومٌ وَلَوْ كَتَبْنَا مَا فِيهَا لَطَالَ الْكَلَامُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ السموات وَالْأَرْضِ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَحْنُ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ خَالِقَ السموات والأرض واحد هو إله السموات، وَهَذِهِ الْأَصْنَامُ صُوَرُ الْكَوَاكِبِ مِنْهَا نُصْرَتُنَا وَقُوَّتُنَا، وَقَالَ آخَرُونَ هَذِهِ صُوَرُ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ شُفَعَاؤُنَا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا إِلَهَ غَيْرُ اللَّهِ، وَلَا نُصْرَةَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ وَلَا شَفَاعَةَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَعِبَادَتُكُمْ لَهُمْ لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ بَاطِلَةٌ ضَائِعَةٌ لَا هُمْ خَالِقُوكُمْ وَلَا نَاصِرُوكُمْ وَلَا شُفَعَاؤُكُمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ مَا عَلِمْتُمُوهُ مِنْ أَنَّهُ خَالِقُ السموات وَالْأَرْضِ وَخَلْقُ هَذِهِ الْأَجْسَامِ الْعِظَامِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذِهِ الْأَصْنَامِ حَتَّى تَنْصُرَكُمْ وَالْمَلِكُ الْعَظِيمُ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْحَقِيرَةِ احترام وعظمة حتى تكون لها شفاعة. ثم قال تعالى:
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ٥ الى ٧]
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute