للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة التحريم]

اثنتا عشرة آية مدنية

[[سورة التحريم (٦٦) : آية ١]]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١)

أَمَّا التَّعَلُّقُ بِمَا قَبْلَهَا، فَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأَحْكَامِ الْمَخْصُوصَةِ بِالنِّسَاءِ، وَاشْتِرَاكُ الْخِطَابِ بِالطَّلَاقِ فِي أَوَّلِ تِلْكَ السُّورَةِ مَعَ الْخِطَابِ بِالتَّحْرِيمِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْأَكْثَرِ مِنَ الصُّوَرِ أَوْ فِي الْكُلِّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ بِالْآخَرِ، فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ تِلْكَ السُّورَةِ، يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَكَمَالِ علمه، لما كان خلق السموات وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِمَا وَعَظَمَةُ الْحَضْرَةِ مِمَّا يُنَافِي الْقُدْرَةَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» :

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَلَا بِمَارِيَةَ فِي يَوْمِ عَائِشَةَ وَعَلِمَتْ بِذَلِكَ حَفْصَةُ، فَقَالَ لَهَا: اكْتُمِي عَلَيَّ وَقَدْ حَرَّمْتُ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِي وَأُبَشِّرُكِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْلِكَانِ بَعْدِي أَمْرَ أُمَّتِي، فَأَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةَ، وَكَانَتَا مُتَصَادِقَتَيْنِ،

وَقِيلَ: خَلَا بِهَا فِي يَوْمِ حَفْصَةَ، فَأَرْضَاهَا بِذَلِكَ وَاسْتَكْتَمَهَا، فَلَمْ تَكْتُمْ فَطَلَّقَهَا وَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ، وَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فِي بَيْتِ مَارِيَةَ،

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهَا لَوْ كَانَ فِي آلِ الْخَطَّابِ خَيْرٌ لَمَا طَلَّقَكِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: رَاجِعْهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا مِنْ نِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ،

وَرُوِيَ أَنَّهُ مَا طَلَّقَهَا وَإِنَّمَا نَوَّهَ بِطَلَاقِهَا،

وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَرِبَ عَسَلًا فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَتَوَاطَأَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، فَقَالَتَا لَهُ: إِنَّا نَشُمُّ مِنْكَ رِيحَ الْمَغَافِيرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ التَّفَلَ فَحَرَّمَ الْعَسَلَ،

فَمَعْنَاهُ: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ مِنَ الْعَسَلِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَرِوَايَةُ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ

قَالَ مَسْرُوقٌ: حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ وَلَدِهِ وَحَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا/ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ

فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا الْحَرَامُ فَحَلَالٌ، وَأَمَّا الْيَمِينُ الَّتِي حَلَفْتَ عَلَيْهَا، فَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ مَعَ الْحَرَامِ يَمِينٌ فَعُوتِبَ فِي الْحَرَامِ، وَإِنَّمَا يُكَفَّرُ الْيَمِينُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ الْآيَةَ قَالَ صَاحِبُ «النَّظْمِ» قَوْلُهُ: لِمَ تُحَرِّمُ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ وَالْإِنْكَارُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَهْيٌ، وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ مَكْرُوهٌ، وَالْحَلَالُ لَا يُحَرَّمُ إِلَّا بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تعالى وقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وتَبْتَغِي حَالٌ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْمُضَارِعِ وَالْمَعْنَى: لِمَ تُحَرِّمُ مُبْتَغِيًا مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : تَبْتَغِي، إما تفسير لتحرم، أَوْ حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافٌ، وَهَذَا زَلَّةٌ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الزَّلَّةِ، رَحِيمٌ قَدْ رَحِمَكَ لَمْ يُؤَاخِذْكَ بِهِ، ثُمَّ فِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>