الْمَشْكُوكَ فَلِهَذَا السَّبَبِ حَمَلْنَا الضِّعْفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْمِثْلَيْنِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ يَعْلَمُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْكِنَايَةِ عَنِ الْغَائِبِ وَالْمَعْنَى: وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ كُلُّ فَرِيقٍ مِقْدَارَ عَذَابِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ فَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى كُلٍّ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُخَاطَبِينَ فَهُوَ اسْمٌ ظَاهِرٌ مَوْضُوعٌ لِلْغَيْبَةِ فَحُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى وَأَمَّا الباقون فقرؤوا بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ وَالْمَعْنَى: وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ مَا لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَيَجُوزُ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ يَا أَهْلَ الدُّنْيَا مَا مِقْدَارُ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ أَيْ حَصَلَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْعَذَابِ ضِعْفُ مَا يَسْتَحِقُّهُ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ ذَلِكَ فَمَا مَعْنَى كَوْنِهِ ضِعْفًا؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ عَذَابَ الْكُفَّارِ يَزِيدُ فَكُلُّ أَلَمٍ يَحْصُلُ فَإِنَّهُ يَعْقُبُهُ حُصُولُ أَلَمٍ آخَرَ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَكَانَتْ تِلْكَ الْآلَامُ مُتَضَاعِفَةً مُتَزَايِدَةً لَا إِلَى آخِرَ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ أُخْرَاهُمْ كَمَا خَاطَبَتْ أُولَاهُمْ فَكَذَلِكَ تُجِيبُ أُولَاهُمْ أُخْرَاهُمْ فَقَالَ: وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ أَيْ فِي تَرْكِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَإِنَّا مُتَشَارِكُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مِنْهُمْ كَذِبٌ لِأَنَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ رُؤَسَاءَ وَسَادَةً وَقَادَةً قَدْ دَعَوْا إِلَى الْكُفْرِ وَبَالَغُوا فِي التَّرْغِيبِ فِيهِ فَكَانُوا ضَالِّينَ وَمُضِلِّينَ وَأَمَّا الْأَتْبَاعُ وَالسَّفَلَةُ فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا ضَالِّينَ إِلَّا أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُضِلِّينَ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِلْأَتْبَاعِ عَلَى الرُّؤَسَاءِ فِي تَرْكِ الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْكُفَّارَ كَذَبُوا فِي هَذَا الْقَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعِنْدَنَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَامِ: ٢٣] .
أَمَّا قَوْلُهُ: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْقَادَةِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ جَمِيعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ التَّخْوِيفُ وَالزَّجْرُ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ عَنِ الرُّؤَسَاءِ وَالْأَتْبَاعِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَتَبَرَّأُ عَنْ بَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ فِي القلب.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)
[قَوْلُهُ تَعَالَى إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها] اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إِتْمَامُ الْكَلَامِ فِي وَعِيدِ الْكُفَّارِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الأعراف: ٣٦] ثُمَّ شَرَحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ الْخُلُودِ فِي حَقِّ أُولَئِكَ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِقَوْلِهِ: كَذَّبُوا بِآياتِنا أَيْ بِالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الدِّينِ فَالدَّهْرِيَّةُ يُنْكِرُونَ دَلَائِلَ إِثْبَاتِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْمُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَمُنْكِرُو النُّبُوَّاتِ يُكَذِّبُونَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّاتِ/ وَمُنْكِرُو نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ يُنْكِرُونَ الدَّلَائِلَ