سُورَةُ التَّوْبَةِ
مَدَنِيَّةٌ إِلَّا الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَمَكِّيَّتَانِ وآياتها ١٢٩ نزلت بعد المائدة سورة التوبة مائة وثلاثة وثلاثون قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : لَهَا عِدَّةُ أَسْمَاءٍ: بَرَاءَةُ، وَالتَّوْبَةُ وَالْمُقَشْقِشَةُ، وَالْمُبَعْثِرَةُ، وَالْمُشَرِّدَةُ، وَالْمُخْزِيَةُ، وَالْفَاضِحَةُ، وَالْمُثِيرَةُ، وَالْحَافِرَةُ، وَالْمُنَكِّلَةُ، وَالْمُدَمْدِمَةُ، وَسُورَةُ الْعَذَابِ. قَالَ لِأَنَّ فِيهَا التَّوْبَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ تُقَشْقِشُ مِنَ النِّفَاقِ أَيْ تُبَرِّئُ مِنْهُ، وَتُبَعْثِرُ عَنْ أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ، وَتَبْحَثُ عَنْهَا، وَتُثِيرُهَا. وَتَحْفِرُ عَنْهَا، وَتَفْضَحُهُمْ، وَتُنَكِّلُ بِهِمْ، وَتُشَرِّدُهُمْ وَتُخْزِيهِمْ، وَتُدَمْدِمُ عَلَيْهِمْ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ: إِنَّكُمْ تُسَمُّونَهَا سُورَةَ التَّوْبَةِ، واللَّه مَا تَرَكَتْ أَحَدًا إِلَّا نَالَتْ مِنْهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَالَ: إِنَّهَا الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ فِيهِمْ وَتَنَالُ مِنْهُمْ حَتَّى خَشِينَا أَنْ لَا تَدَعَ أَحَدًا، وَسُورَةُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ، وَسُورَةُ الْحَشْرِ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا السَّبَبُ فِي إِسْقَاطِ التَّسْمِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا؟
قُلْنَا: ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ:
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ بَرَاءَةَ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، وَإِلَى سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَمَا فَصَلْتُمْ بِبِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟
فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةٌ يَقُولُ: «ضَعُوهَا فِي مَوْضِعِ/ كَذَا» وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا. فَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَهَا، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا فَقُرِنَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ الْقَاضِي يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُبَيِّنْ كَوْنَ هَذِهِ السُّورَةِ تَالِيَةً لِسُورَةِ الْأَنْفَالِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُرَتَّبٌ مِنْ قِبَلِ اللَّه تَعَالَى وَمِنْ قِبَلِ رَسُولِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نُقِلَ، وَلَوْ جَوَّزْنَا فِي بَعْضِ السُّوَرِ أَنْ لَا يَكُونَ تَرْتِيبُهَا مِنَ اللَّه عَلَى سَبِيلِ الْوَحْيِ، لَجَوَّزْنَا مِثْلَهُ في سائر السور وفي آيات السور الْوَاحِدَةِ، وَتَجْوِيزُهُ يُطَرِّفُ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامِيَّةُ مِنْ تَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي الْقُرْآنِ. وَذَلِكَ يُخْرِجُهُ مِنْ كَوْنِهِ حُجَّةً، بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِوَضْعِ هَذِهِ السُّورَةِ، بَعْدَ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَحْيًا، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَذَفَ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَحْيًا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُرْوَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا تَوَهَّمُوا ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي الْأَنْفَالِ ذِكْرَ الْعُهُودِ، وَفِي بَرَاءَةَ نَبْذَ الْعُهُودِ. فَوُضِعَتْ إِحْدَاهُمَا بجنب الأخرى والسؤال المذكور عائد هاهنا، لِأَنَّ هَذَا الْوَجْهَ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا قُلْنَا إِنَّهُمْ إِنَّمَا وَضَعُوا هَذِهِ السُّورَةَ بَعْدَ الْأَنْفَالِ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ سُورَةَ الْأَنْفَالِ وَسُورَةَ التَّوْبَةِ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ أَمْ سُورَتَانِ؟ فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute