وَالْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْقَضَاءِ إِزَالَةُ التَّفَثِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ قَالَ نِفْطَوَيْهِ: سَأَلْتُ أَعْرَابِيًّا فَصِيحًا مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ؟ فَقَالَ مَا أُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَلَكِنَّا نَقُولُ لِلرَّجُلِ مَا أَتْفَثَكَ وَمَا أَدْرَنَكَ، ثم قال الْقَفَّالُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الزَّجَّاجِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُثْبِتِ لَا قَوْلُ النَّافِي.
أما قوله: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ فقرىء بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ الدُّخُولُ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَاسِكِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا أَوْجَبُوهُ بِالنَّذْرِ الَّذِي هو القول، وهذا القول هو الْأَقْرَبُ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ فَقَدْ يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْهَدْيِ وَغَيْرِهِ مَا لَوْلَا إِيجَابُهُ لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ يَقْتَضِيهِ فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَالْمُرَادُ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالزِّيَارَةِ، أَمَّا كَوْنُ هَذَا الطَّوَافِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْحَلْقِ، ثُمَّ هُوَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَسُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْعَتِيقُ الْقَدِيمُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ عَنِ الْحَسَنِ. وَثَانِيهَا:
لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَكَمْ مِنْ جَبَّارٍ سَارَ إِلَيْهِ لِيَهْدِمَهُ فَمَنَعَهُ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَوْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ولما قصد أَبْرَهَةُ فُعِلَ بِهِ مَا فُعِلَ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تَسَلَّطَ الْحَجَّاجُ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ: قُلْنَا مَا قَصَدَ التَّسَلُّطَ عَلَى الْبَيْتِ وَإِنَّمَا تَحَصَّنَ بِهِ عَبْدُ اللَّه بْنُ الزُّبَيْرِ فَاحْتَالَ لِإِخْرَاجِهِ ثُمَّ بَنَاهُ وَثَالِثُهَا: لَمْ يُمْلَكْ قَطُّ عَنِ ابْنِ عيينة ورابعها: أعتق من الغرق عن مجاهدو خامسها: بَيْتٌ كَرِيمٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عِتَاقُ الطَّيْرِ وَالْخَيْلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّامَ فِي لِيَقْضُوا وَلْيُوفُوا وَلْيَطَّوَّفُوا لَامُ الْأَمْرِ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَنَافِعٍ وَالْأَكْثَرِينَ تَخْفِيفُ هَذِهِ اللَّامَاتِ وَفِي قِرَاءَةِ أَبِي عمرو تحريكها بالكسر.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)
قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» ذلِكَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيِ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ ذَلِكَ كَمَا يُقَدِّمُ الْكَاتِبُ جُمْلَةً مِنْ كَلَامِهِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي فَإِذَا أَرَادَ الْخَوْضَ فِي مَعْنًى آخَرَ قَالَ هَذَا وَقَدْ كَانَ كَذَا، وَالْحُرْمَةُ مَا لَا يَحِلُّ هَتْكُهُ وَجَمِيعُ مَا كَلَّفَهُ اللَّه تَعَالَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَغَيْرِهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي جَمِيعِ تَكَالِيفِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْحُرُمَاتُ خَمْسٌ: الْكَعْبَةُ الْحَرَامُ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَالْبَلَدُ الْحَرَامُ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ وَلَا تَدْخُلُ النَّوَافِلُ فِي حُرُمَاتِ اللَّه تَعَالَى: فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ أَيْ فَالتَّعْظِيمُ خَيْرٌ لَهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَجِبُ الْقِيَامُ بِمُرَاعَاتِهَا وَحِفْظِهَا، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ رَبِّهِ يَدُلُّ عَلَى الثَّوَابِ الْمُدَّخَرِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عِنْدَ رَبِّهِ فِيمَا قَدْ حَصَلَ مِنَ الْخَيْرَاتِ، قَالَ الْأَصَمُّ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ التَّهَاوُنِ بِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَادَ إِلَى بَيَانِ حُكْمِ الْحَجِّ فَقَالَ: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ فَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ إِذَا حَرَّمَ الصَّيْدَ وَغَيْرَهُ فَالْأَنْعَامُ أَيْضًا تُحَرَّمُ فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا فَهِيَ مُحَلَّلَةٌ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُتْلَى فِي كِتَابِ اللَّه مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النَّعَمِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ [الْمَائِدَةِ: ١، ٣] وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute