للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالسَّيْفِ.

وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً النَّاجِيَةُ فِرْقَةٌ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الزَّنَادِقَةَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمَذَاهِبِ الْمُتَنَافِيَةِ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحَقَّ مِنْهَا لَيْسَ إِلَّا الْوَاحِدُ، وَمَا سِوَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَحْمِلُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَقَوْلُهُ: وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ لَا شَكَّ أَنَّ أَكْثَرَهَا ظُلْمٌ وَمَعْصِيَةٌ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، أَجَابَ الْخَصْمُ عَنْهُ بِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِرٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَنَا اللَّه قَادِرٌ عَلَى الْقَبِيحِ. إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّ وَجْهَ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ شَيْءٌ آخَرُ فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ الْقادِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا يُفِيدُ الْحَصْرَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّه غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ النَّاسِ حَاصِلٌ وَثَبَتَ بِمُقْتَضَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ صَادِرًا عَنْ غَيْرِ اللَّه فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنِ اللَّه وَذَلِكَ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَتِ الْمُقَلِّدَةُ وَالْحَشْوِيَّةُ: هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فَتْحَ تِلْكَ الْأَبْوَابِ يُفِيدُ وُقُوعَ الِاخْتِلَافِ وَالْمُنَازَعَةِ فِي الْأَدْيَانِ وَتُفَرُّقَ الْخَلْقِ إِلَى الْمَذَاهِبِ وَالْأَدْيَانِ وَذَلِكَ مَذْمُومٌ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْمُفْضِي إِلَى الْمَذْمُومِ مَذْمُومٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ بَابِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي الدِّينِ مَذْمُومًا وَجَوَابُهُ سَهْلٌ واللَّه أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ قَالَ الْقَاضِي: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ بِتَصْرِيفِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَتَقْرِيرِ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ، أَنْ يَفْهَمَ الْكُلُّ تِلْكَ الدَّلَائِلَ وَيَفْقَهَ الْكُلُّ تِلْكَ الْبَيِّنَاتِ.

وَجَوَابُنَا: بَلْ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَا صَرَّفَ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَّا لِمَنْ فَقُهَ وَفَهِمَ، فَأَمَّا مَنْ أَعْرَضَ وَتَمَرَّدَ فَهُوَ تَعَالَى مَا صَرَّفَ هَذِهِ الْآيَاتِ لهم واللَّه أعلم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]

وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)

الضمير في قوله: وَكَذَّبَ بِهِ إِلَى مَاذَا يَرْجِعُ فِيهِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ الْحَقُّ أَيْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ. الثَّانِي: الضَّمِيرُ فِي «بِهِ» لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْحَقُّ أَيْ فِي كَوْنِهِ كِتَابًا مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّه. الثَّالِثُ: يَعُودُ إِلَى تَصْرِيفِ الْآيَاتِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا كَوْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَلَالَاتٍ، ثُمَّ قَالَ:

قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أَيْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِحَافِظٍ حَتَّى أُجَازِيَكُمْ عَلَى تَكْذِيبِكُمْ وَإِعْرَاضِكُمْ عَنْ قَبُولِ الدَّلَائِلِ.

إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ واللَّه هُوَ الْمُجَازِي لَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ وَهُوَ بَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَالْمُسْتَقَرُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ الِاسْتِقْرَارِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الِاسْتِقْرَارِ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلَاثِيِّ كَانَ الْمَصْدَرُ مِنْهُ عَلَى زِنَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ نَحْوَ الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ، بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ لِكُلِّ خَبَرٍ يُخْبِرُهُ اللَّه تَعَالَى وَقْتًا أَوْ مَكَانًا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ خُلْفٍ وَلَا تَأْخِيرٍ وَإِنْ جَعَلْتَ الْمُسْتَقِرَّ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، كَانَ الْمَعْنَى لِكُلِّ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ مِنَ اللَّه تَعَالَى اسْتِقْرَارٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ عِنْدَ ظُهُورِهِ وَنُزُولِهِ. وَهَذَا الَّذِي خَوَّفَ الْكُفَّارَ بِهِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ عَذَابَ الْآخِرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>