للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَرُودِ الْمَلَاسَةُ، وَمِنْهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ، وَغُلَامٌ أَمْرَدُ، وَالْمَرْدَاءُ الرَّمْلَةُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، كَأَنَّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، بَقِيَ كَمَا كَانَ عَلَى صِفَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ تَغَيُّرٍ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَلَاسَةُ.

إِذَا عَرَفْتَ أَصْلَ اللَّفْظِ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ أَيْ ثَبَتُوا وَاسْتَمَرُّوا فِيهِ وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْهُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ تَمَرَّدُوا فِي حِرْفَةِ النِّفَاقِ فَصَارُوا فِيهَا أُسْتَاذِينِ، وَبَلَغُوا إِلَى حَيْثُ لَا تَعْلَمُ أَنْتَ نِفَاقَهُمْ مَعَ قُوَّةِ خَاطِرِكَ وَصَفَاءِ حَدْسِكَ وَنَفْسِكَ.

ثُمَّ قَالَ: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ وَذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ الْمَرَّتَيْنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُرِيدُ الْأَمْرَاضَ فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابَ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَرَضَ الْمُؤْمِنِ يُفِيدُهُ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ، وَمَرَضُ الْكَافِرِ يُفِيدُهُ زِيَادَةُ الْكُفْرِ وَكُفْرَانُ النِّعَمِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي:

رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَامَ خَطِيبًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «اخْرُجْ يَا فُلَانُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ اخْرُجْ يَا فُلَانُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ» فَأَخْرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ نَاسًا وَفَضَحَهُمْ فَهَذَا هُوَ الْعَذَابُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي عَذَابُ الْقَبْرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَبَعْدَ ذَلِكَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: قَالَ قَتَادَةُ بِالدُّبَيْلَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ

النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَسَرَّ إِلَى حُذَيْفَةَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ: سِتَّةٌ يَبْتَلِيهِمُ اللَّهُ بِالدُّبَيْلَةِ سِرَاجٌ مِنْ نَارٍ يَأْخُذُ أَحَدَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ صَدْرِهِ، وَسِتَّةٌ يَمُوتُونَ موتا.

والوجه الخامس: قال الحسن: يأخذ الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ.

وَالْوَجْهُ السَّادِسُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ الْإِسْلَامِ وَدُخُولُهُمْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَسَنَةٍ، ثُمَّ عَذَابُهُمْ فِي الْقُبُورِ.

وَالْوَجْهُ السَّابِعُ: أَحَدُ الْعَذَابَيْنِ ضَرْبُ الْمَلَائِكَةِ الْوُجُوهَ وَالْأَدْبَارَ. وَالْآخَرُ عِنْدَ الْبَعْثِ، يُوَكَّلُ بِهِمْ عُنُقُ النَّارِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَرَاتِبُ الْحَيَاةِ ثَلَاثَةٌ: حَيَاةُ الدُّنْيَا، وَحَيَاةُ الْقَبْرِ، وَحَيَاةُ الْقِيَامَةِ، فَقَوْلُهُ: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ الْمُرَادُ مِنْهُ عَذَابُ الدُّنْيَا بِجَمِيعِ أَقْسَامِهِ، وَعَذَابُ الْقَبْرِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَذَابُ فِي الْحَيَاةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ الْحَيَاةُ فِي الْقِيَامَةِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ يعني النار المخلدة المؤبدة.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٣]

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)

[في قوله تعالى وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>