للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْلادَكُمْ

أَيْ لِأَوْلَادِكُمْ وَحَذَفَ اللَّامَ اجْتِزَاءً بِدَلَالَةِ الِاسْتِرْضَاعِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْأَوْلَادِ، وَلَا يَجُوزُ دَعَوْتُ زَيْدًا وَأَنْتَ تُرِيدُ لِزَيْدٍ، لِأَنَّهُ تَلْبِيسٌ هَاهُنَا بِخِلَافِ مَا قُلْنَا فِي الِاسْتِرْضَاعِ، وَنَظِيرُ حَذْفِ اللَّامِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ [الْمُطَفِّفِينَ: ٣] أَيْ كَالُوا لَهُمْ أَوْ وَزَنُوا لَهُمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِالْإِرْضَاعِ، فَأَمَّا إِذَا حَصَلَ مَانِعٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، مِنْهَا مَا إِذَا تَزَوَّجَتْ آخَرَ، فَقِيَامُهَا بِحَقِّ ذَلِكَ الزَّوْجِ يَمْنَعُهَا عَنِ الرَّضَاعِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَكْرَهُ الرَّضَاعَ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بِهَا زَوْجٌ آخر، ومنها أن تأتي الْمَرْأَةُ قَبُولَ الْوَلَدِ إِيذَاءً لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ وَإِيحَاشًا لَهُ، وَمِنْهَا أَنْ تَمْرَضَ أَوْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا، فَعِنْدَ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ إِذَا وَجَدْنَا مُرْضِعَةً أُخْرَى وَقَبِلَ الطِّفْلُ لَبَنَهَا جَازَ الْعُدُولُ عَنِ الْأُمِّ إِلَى غَيْرِهَا، فَأَمَّا إِذَا لَمْ نَجِدْ مُرْضِعَةً أُخْرَى، أَوْ وَجَدْنَاهَا وَلَكِنَّ الطِّفْلَ لَا يقبل لبنها فههنا الْإِرْضَاعُ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحْدَهُ مَا آتَيْتُمْ مَقْصُورَةَ الْأَلِفِ، وَالْبَاقُونَ مَا آتَيْتُمْ مَمْدُودَةَ الْأَلِفِ، أَمَّا الْمَدُّ فَتَقْدِيرُهُ: مَا آتَيْتُمُوهُ الْمَرْأَةَ أَيْ أَرَدْتُمْ إِيتَاءَهُ وَأَمَّا الْقَصْرُ فَتَقْدِيرُهُ: مَا آتيتم/ به، فحذف المفعولان فِي الْأَوَّلِ وَحَذَفَ لَفْظَةَ بِهِ فِي الثَّانِي لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَرَوَى شَيْبَانُ عَنْ عَاصِمٍ مَا أُوتِيتُمْ أَيْ مَا آتَاكُمُ اللَّهُ وَأَقْدَرَكُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأُجْرَةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الْحَدِيدِ: ٧] .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ التَّسْلِيمُ شَرْطًا لِلْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ إِلَى الْأَوْلَى وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّ تَسْلِيمَ الْأُجْرَةِ إِلَى الْمُرْضِعَةِ يَدًا بِيَدٍ حَتَّى تَكُونَ طَيِّبَةَ النَّفْسِ رَاضِيَةً فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِصَلَاحِ حَالِ الصَّبِيِّ، وَالِاحْتِيَاطِ فِي مَصَالِحِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِالتَّحْذِيرِ، فَقَالَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٤]]

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)

[الحكم الثالث عشر عدة الوفاة]

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُتَوَفَّوْنَ مَعْنَاهُ يَمُوتُونَ وَيُقْبَضُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزُّمَرِ:

٤٢] وَأَصْلُ التَّوَفِّي أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِيًا كَامِلًا، فَمَنْ مَاتَ فَقَدْ وَجَدَ عُمُرَهُ وَافِيًا كَامِلًا، وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ فُلَانٌ، وَتَوَفَّى إِذَا مَاتَ، فَمَنْ قَالَ: تُوُفِّيَ كَانَ مَعْنَاهُ قُبِضَ وَأُخِذَ وَمَنْ قَالَ: تَوَفَّى. كَانَ مَعْنَاهُ تَوَفَّى أجله واستوفى أكله وَعُمُرَهُ وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَلَيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَوَفَّوْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَذَرُونَ مَعْنَاهُ: يَتْرُكُونَ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ الْمَاضِي وَلَا الْمَصْدَرُ اسْتِغْنَاءً عنه يترك تركا،