وَنَصَرْنَا.
وَرُوِيَ أَنَّهُ جَرَتْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ بَيْنَ عمر وبين زيد بن ثابت استشهد زَيْدٌ بِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالتَّفَاوُتُ أَنَّ عَلَى قِرَاءَةِ عُمَرَ، يَكُونُ التَّعْظِيمُ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مُخْتَصًّا بِالْمُهَاجِرِينَ وَلَا يُشَارِكُهُمُ الْأَنْصَارُ فِيهَا فَوَجَبَ مَزِيدُ التَّعْظِيمِ لِلْمُهَاجِرِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ أَنَّ أُبَيًّا احْتَجَّ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ بِآخِرِ الْأَنْفَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا [الأنفال: ٧٥] بَعْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَبِأَوَاسِطِ سُورَةِ الْحَشْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر: ١٠] وَبِأَوَّلِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [الْجُمُعَةِ: ٣] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَالسَّابِقُونَ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَعْنَاهُ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأَعْمَالِهِمْ وَكَثْرَةِ طَاعَاتِهِمْ، وَرَضُوا عَنْهُ لِمَا أَفَاضَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْجَلِيلَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَفِي مَصَاحِفِ أَهْلِ مَكَّةَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ، وَفِي سَائِرِ الْمَصَاحِفِ تَحْتَهَا مِنْ غَيْرِ كَلِمَةِ (مِنْ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم: يُرِيدُ، يَذْكُرُونَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ بِالْجَنَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَيَذْكُرُونَ مَحَاسِنَهُمْ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ عَلَى دِينِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنِ اتَّبَعَهُمْ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ الرِّضْوَانَ وَالثَّوَابَ، بِشَرْطِ كَوْنِهِمْ مُتَّبِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَفَسَّرْنَا هَذَا الْإِحْسَانَ بِإِحْسَانِ الْقَوْلِ فِيهِمْ، وَالْحُكْمُ الْمَشْرُوطُ بِشَرْطٍ، يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنِ الْقَوْلَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلرِّضْوَانِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ لِهَذَا السَّبَبِ، فَإِنَّ أَهْلَ الدِّينِ يُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُطْلِقُونَ أَلْسِنَتَهُمْ فِي اغْتِيَابِهِمْ وَذِكْرِهِمْ بِمَا لَا ينبغي.
[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠١]]
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى شَرَحَ أَحْوَالَ مُنَافِقِي الْمَدِينَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَحْوَالَ مُنَافِقِي الْأَعْرَابِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ فِي الْأَعْرَابِ مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ صَالِحٌ مُخْلِصٌ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هُمْ؟ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ مَوْصُوفُونَ بِالنِّفَاقِ، وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ كَوْنَهُمْ كَذَلِكَ فَقَالَ: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَهُمْ جُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارٌ، وَكَانُوا نَازِلِينَ حَوْلَهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ فَفِيهِ بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: أَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمِنْ أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التقدير: ومن أهل المدينة من مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ فَأَضْمَرَ «مَنْ» لِدَلَالَةِ (مِنْ) عَلَيْهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصَّافَّاتِ: ١٦٤] يُرِيدُ إِلَّا مَنْ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: يُقَالُ: مرد يمرد مردوا فَهُوَ مَارِدٌ وَمَرِيدٌ إِذَا عَتَا، وَالْمَرِيدُ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَقَدْ تَمَرَّدَ عَلَيْنَا أَيْ عَتَا، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمُرَادُ التَّطَاوُلُ بِالْكِبَرِ وَالْمَعَاصِي، وَمِنْهُ: مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ وَأَصْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute