عَبَّاسٍ: كَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَاحِرًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَبْلٌ وَعَصَا وَقِيلَ كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ضُرِبَتْ لِفِرْعَوْنَ قُبَّةٌ فَجَلَسَ فِيهَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَكَانَ طُولُ الْقُبَّةِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّمَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ الْوَعِيدَ وَالتَّحْذِيرَ مِمَّا قَالُوهُ وَأَقْدَمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بِأَنْ تَزْعُمُوا بِأَنَّ الَّذِي جِئْتُ بِهِ لَيْسَ بِحَقٍّ وَأَنَّهُ سِحْرٌ فَيُمْكِنُكُمْ مُعَارَضَتِي، قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ فِي انْتِصَابِ وَيْلَكُمْ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَلْزَمَهُمُ اللَّه وَيْلًا إِنِ افْتَرَوْا عَلَى اللَّه كَذِبًا ويجوز على النداء كقوله: يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ [هود: ٧٢] ، يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [يس: ٥٢] وَقَوْلِهِ: فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ أَيْ يُعَذِّبَكُمْ عَذَابًا مُهْلِكًا مُسْتَأْصِلًا وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ بِرَفْعِ الْيَاءِ مِنَ الْإِسْحَاتِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا مِنَ السُّحْتِ وَالْإِسْحَاتُ لُغَةُ أَهْلِ نَجْدٍ وَبَنِي تَمِيمٍ وَالسُّحْتُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: مَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا حَصَلَ لَهُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ فِي الدُّنْيَا أَوِ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ. وَالثَّانِي: الْخَيْبَةُ وَالْحِرْمَانُ عَنِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وتعالى أنه لم قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ أَعْرَضُوا عَنْ قَوْلِهِ: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَفِي تَنَازَعُوا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: تَفَاوَضُوا وَتَشَاوَرُوا لِيَسْتَقِرُّوا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي: قَالَ مُقَاتِلٌ: اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلَ فِي التَّنَازُعِ فِرْعَوْنُ/ وَقَوْمُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ هُمُ السَّحَرَةُ وَحْدَهُمْ وَالْكَلَامُ مُحْتَمَلٌ وَلَيْسَ فِي الظَّاهِرِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْجِيحِ وَذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ: وَأَسَرُّوا النَّجْوى وُجُوهًا. أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَسَرُّوهَا مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فِيهِ وُجُوهٌ.
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا إِنَّ نَجْوَاهُمْ قَالُوا: إِنْ غَلَبَنَا مُوسَى اتَّبَعْنَاهُ. وَالثَّانِي: قَالَ قَتَادَةُ إِنْ كَانَ سَاحِرًا فَسَنَغْلِبُهُ وَإِنْ كَانَ مِنَ السَّمَاءِ فَلَهُ أَمْرٌ. الثَّالِثُ: قَالَ وَهْبٌ لَمَّا قَالَ: وَيْلَكُمْ الْآيَةَ قَالُوا مَا هَذَا بِقَوْلِ سَاحِرٍ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَسَرُّوا النَّجْوَى مِنْ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ وَنَجْوَاهُمْ هُوَ قَوْلُهُمْ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ [طه: ٦٣] وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ أَسَرُّوا النَّجْوَى مِنْ مُوسَى وَهَارُونَ وَمِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ أَيْضًا وَكَانَ نَجْوَاهُمْ أَنَّهُمْ كَيْفَ يَجِبُ تَدْبِيرُ أَمْرِ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يَجِبُ إِظْهَارُهَا فَيَكُونُ أَوْقَعَ فِي الْقُلُوبِ وَأَظْهَرَ لِلْعُيُوبِ وهو قول الضحاك.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤)
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ وَذَكَرُوا وُجُوهًا أُخَرَ. أَحَدُهَا: قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ: (إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ) قَالُوا: هِيَ قِرَاءَةُ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ رَضِيَ اللَّه تعالى عنه وَاحْتَجَّ أَبُو عَمْرٍو وَعِيسَى عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ وَعَنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى [الْمَائِدَةِ: ٦٩] فِي الْمَائِدَةِ، وَعَنْ قَوْلِهِ: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ [النِّسَاءِ: ١٦٢] فَقَالَتْ يَا ابْنَ أَخِي هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ نَظَرَ فِي الْمُصْحَفِ فَقَالَ: أَرَى فِيهِ لَحْنًا وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو أنه قال:
إني لأستحي أَنْ أَقْرَأَ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ، وَثَانِيهَا: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: (إِنْ هَذَانِّ) بِتَخْفِيفِ إِنَّ وَتَشْدِيدِ نون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute