للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْبَخْسِ وَالتَّنْقِيصِ بِجَمِيعِ الْوُجُوهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْعُ مِنَ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَانْتِزَاعِ الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْحِيَلِ. وَالْخَامِسُ: قَوْلُهُ: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ رِضَاهَا يُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَهُمَا يُوجِبَانِ الْفَسَادَ لَا جَرَمَ قَالَ بَعْدَهُ:

وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا فَقِيلَ: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها بِأَنْ تُقْدِمُوا عَلَى الْبَخْسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُهُ الْفَسَادُ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فَسَادًا حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ مَنْعٌ مِنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا وَقَوْلُهُ: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ مَنْعٌ مِنْ مَفَاسِدِ الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الْآيَةُ جَامِعَةً لِلنَّهْيِ عَنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى بَعْدَ إِصْلاحِها قِيلَ: بَعْدَ أَنْ صَلَحَتِ الْأَرْضُ بِمَجِيءِ النَّبِيِّ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِخُلُوِّهَا مِنْهُ فَنَهَاهُمْ عَنِ الْفَسَادِ وَقَدْ صَارَتْ صَالِحَةً. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنْ لَا تُفْسِدُوا بَعْدَ أَنْ أَصْلَحَهَا اللَّهُ بِتَكْثِيرِ النِّعَمِ فِيهِمْ وَحَاصِلُ هَذِهِ التَّكَالِيفِ الْخَمْسَةِ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلَيْنِ التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ الله ويدخل فيه ترك البخس وترك الفساد وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى تَرْكِ الْإِيذَاءِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِيصَالُ النَّفْعِ إِلَى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ. وَأَمَّا كَفُّ الشَّرِّ عَنِ الْكُلِّ فَمُمْكِنٌ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْخَمْسَةَ. قَالَ: ذلِكُمْ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ وَالْمَعْنَى: خَيْرٌ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْآخِرَةِ والمراد: اترك الْبَخْسِ وَتَرْكُ الْإِفْسَادِ خَيْرٌ لَكُمْ فِي طَلَبِ الْمَالِ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا عَلِمُوا مِنْكُمُ الْوَفَاءَ وَالصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ رَغِبُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ مَعَكُمْ فَكَثُرَتْ أَمْوَالُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَيْ ان كنتم مصدقين لي في قولي.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]

وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)

[في قوله تعالى وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ] اعْلَمْ أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَمَّ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّكَالِيفِ الْخَمْسَةِ أَشْيَاءَ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَقْعُدُوا عَلَى طُرُقِ الدِّينِ وَمَنَاهِجِ الْحَقِّ لِأَجْلِ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ عَنْ قَبُولِهِ وَفِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: يُحْمَلُ الصِّرَاطُ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُهُ النَّاسُ. رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَيُخَوِّفُونَ مَنْ آمَنَ بِشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ الصِّرَاطُ عَلَى مَنَاهِجِ الدِّينِ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» :

وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ أَيْ وَلَا تَقْتَدُوا بِالشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الْأَعْرَافِ:

١٦] قَالَ وَالْمُرَادُ بِالصِّرَاطِ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ مَنَاهِجِ الدِّينِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّرَاطِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ: بِكُلِّ صِراطٍ يُقَالُ قَعَدَ لَهُ بِمَكَانِ كَذَا وَعَلَى مَكَانِ كَذَا وَفِي مَكَانِ كَذَا وَهَذِهِ الْحُرُوفُ تَتَعَاقَبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِتَقَارُبِ مَعَانِيهَا فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ قَعَدَ بِمَكَانِ كَذَا فَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ وَهُوَ قَدِ الْتَصَقَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>