لِأَنَّهُمَا عِنْدَكَ وَاجِبَانِ عَلَى اللَّه تَعَالَى وَقَوْلُهُ: يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ يقتضي عدم الوجوب.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٧ الى ١٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (١٨)
الْقِرَاءَةُ قُرِئَ حُقَّ بِالضَّمِّ وَقُرِئَ (حَقًّا) أَيْ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ حَقًّا وقرئ مُكْرِمٍ بفتح الراء بمعنى الإكرام، [في قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ [الحج: ١٦] أَتْبَعَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِبَيَانِ مَنْ يَهْدِيهِ وَمَنْ لَا يَهْدِيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُخَالِفُهُ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ إِلَّا طَبَقَاتٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: الطَّبَقَةُ الْمُشَارِكَةُ لَهُ فِي نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ كَالْخِلَافِ بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ فِي خَلْقِ الْأَفْعَالِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْخِلَافِ بَيْنَ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةِ وَنُفَاتِهَا.
وَثَانِيهَا: الَّذِينَ يُخَالِفُونَهُ فِي النُّبُوَّةِ وَلَكِنْ يُشَارِكُونَهُ فِي الِاعْتِرَافِ بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ كَالْخِلَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِيسَى وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَثَالِثُهَا: الَّذِينَ يُخَالِفُونَهُ فِي الْإِلَهِ وَهَؤُلَاءِ هُمُ السُّوفِسْطَائِيَّةُ الْمُتَوَقِّفُونَ فِي الْحَقَائِقِ، وَالدَّهْرِيَّةُ الَّذِينَ لَا يَعْتَرِفُونَ بِوُجُودِ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَالَمِ، وَالْفَلَاسِفَةُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ مُؤَثِّرًا مُوجَبًا لَا مُخْتَارًا. فَإِذَا كَانَتْ الِاخْتِلَافَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي أُصُولِ الْأَدْيَانِ مَحْصُورَةً فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ لَا يُشَكُّ أَنَّ أَعْظَمَ جِهَاتِ الْخِلَافِ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ مِنْهَا. وَهَذَا الْقِسْمُ الْأَخِيرُ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يوجدون في العالم المتظاهرين بعقائدهم ومذاهبهم بكل يَكُونُونَ مُسْتَتِرِينَ، أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الِاخْتِلَافُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَتَقْسِيمُهُ أَنْ يُقَالَ الْقَائِلُونَ بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مُعْتَرِفِينَ بِوُجُودِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ لَا يَكُونُوا مُعْتَرِفِينَ بِذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا أَتْبَاعًا لِمَنْ كَانَ نَبِيًّا فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ لِمَنْ كَانَ مُتَنَبِّئًا، أَمَّا أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَفِرْقَةٌ أُخْرَى بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وهم الصابئون، وأما أتباع المتنبي فَهُمُ الْمَجُوسُ، وَأَمَّا الْمُنْكِرُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهُمْ عَبْدَةُ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، وَهُمُ الْمُسَمَّوْنَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الْبَرَاهِمَةُ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ. فَثَبَتَ أَنَّ الْأَدْيَانَ الْحَاصِلَةَ بِسَبَبِ الِاخْتِلَافَاتِ فِي الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ هِيَ هَذِهِ السِّتَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ الْأَدْيَانُ سِتَّةٌ وَاحِدَةٌ للَّه تَعَالَى وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَخَمْسَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى: قَالَ الزَّجَّاجُ هَذَا خَبَرٌ لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا كَمَا تَقُولُ إِنَّ أَخَاكَ، إِنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ لَكَثِيرٌ. قَالَ جَرِيرٌ:
إِنَّ الْخَلِيفَةَ إِنَّ اللَّه سَرْبَلَهُ ... سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الْخَوَاتِيمُ
المسألة الثَّانِيَةُ: الْفَصْلُ مُطْلَقٌ فَيُحْتَمَلُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَمَاكِنِ جَمِيعًا فَلَا يُجَازِيهِمْ/ جَزَاءً وَاحِدًا بِغَيْرِ تَفَاوُتٍ وَلَا يَجْمَعُهُمْ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَقْضِي بَيْنَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute