للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٠]]

وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ.

لَمَّا كَانَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ [محمد: ٢٩] أَنَّ اللَّهَ يُظْهِرُ ضَمَائِرَهُمْ وَيُبْرِزُ سَرَائِرَهُمْ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ فَلِمَ لَمْ يُظْهِرْ فَقَالَ أَخَّرْنَاهُ لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ لَا لِخَوْفٍ مِنْهُمْ، كَمَا لَا تُفْشَى أَسْرَارُ الْأَكَابِرِ خَوْفًا مِنْهُمْ وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ أَيْ لَا مَانِعَ لَنَا وَالْإِرَاءَةُ بِمَعْنَى التعريف، وقوله لَتَعْرِفَنَّهُمْ لِزِيَادَةِ فَائِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ التَّعْرِيفَ قَدْ يُطْلَقُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَعْرِفَةُ، يُقَالُ عَرَّفْتُهُ وَلَمْ يَعْرِفْ وفهمته ولم يفهم فقال هاهنا فَلَعَرَفْتَهُمْ يَعْنِي عَرَّفْنَاهُمْ تَعْرِيفًا تَعْرِفُهُمْ بِهِ، إِشَارَةٌ إِلَى قُوَّةِ التَّعْرِيفِ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ فَلَعَرَفْتَهُمْ هِيَ الَّتِي تَقَعُ فِي جَزَاءِ لَوْ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَأَرَيْناكَهُمْ أُدْخِلَتْ عَلَى الْمَعْرِفَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ كَالْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْمَشِيئَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ نَشَاءُ لَعَرَفْتَهُمْ، لِيُفْهَمَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ غَيْرُ مُتَأَخِّرَةٍ عَنِ التَّعْرِيفِ فَتُفِيدُ تَأْكِيدَ التَّعْرِيفِ، أَيْ لَوْ نَشَاءُ لَعَرَّفْنَاكَ تَعْرِيفًا مَعَهُ الْمَعْرِفَةُ/ لَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا اللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ وَاللَّهِ، وَقَوْلُهُ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: فِي مَعْنَى الْقَوْلِ وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْقَوْلِ قَوْلُهُمْ أَيْ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ حَيْثُ يَقُولُونَ مَا مَعْنَاهُ النِّفَاقُ كَقَوْلِهِمْ حِينَ مَجِيءِ النَّصْرِ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ، وَقَوْلُهُمْ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ [الْمُنَافِقُونَ: ٨] وَقَوْلُهُمْ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [الْأَحْزَابِ: ١٣] وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَيْ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ مَا تَعْلَمُ مِنْهُ حَالَ الْمُنَافِقِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا [النُّورِ: ٦٢] وَقَوْلِهِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الْأَنْفَالِ: ٢] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَثَانِيهَا: فِي مَيْلِ الْقَوْلِ عَنِ الصَّوَابِ حَيْثُ قَالُوا مَا لَمْ يَعْتَقِدُوا، فَأَمَالُوا كَلَامَهُمْ حَيْثُ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [الْمُنَافِقُونَ: ١] وَقَالُوا إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ [الْأَحْزَابِ: ١٣] ، وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ [الْأَحْزَابِ: ١٥] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَثَالِثُهَا: فِي لَحْنِ الْقَوْلِ أَيْ فِي الْوَجْهِ الْخَفِيِّ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي يَفْهَمُهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا يَفْهَمُهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَيْضًا وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَعْرِفُ الْمُنَافِقَ وَلَمْ يَكُنْ يُظْهِرُ أَمْرَهُ إِلَى أَنَّ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي إِظْهَارِ أَمْرِهِمْ وَمُنِعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى جَنَائِزِهِمْ وَالْقِيَامِ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بِسِيماهُمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ عَلَى وُجُوهِهِمْ عَلَامَةً أَوْ يَمْسَخُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ [يس: ٦٧]

وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ أَصْبَحُوا وَعَلَى جِبَاهِهِمْ مَكْتُوبٌ هَذَا مُنَافِقٌ،

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ وَعْدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَبَيَانٌ لِكَوْنِ حَالِهِمْ عَلَى خِلَافِ حَالِ الْمُنَافِقِ، فَإِنَّ الْمُنَافِقَ كَانَ لَهُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ، وَالْمُؤْمِنُ كَانَ لَهُ عَمَلٌ وَلَا يَقُولُ بِهِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ التَّسْبِيحُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [الْبَقَرَةِ: ٢٨٦] وَقَوْلُهُ رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٣] وَكَانُوا يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ وَيَتَكَلَّمُونَ فِي السَّيِّئَاتِ مُسْتَغْفِرِينَ مُشْفِقِينَ، وَالْمُنَافِقُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الصَّالِحَاتِ كَقَوْلِهِ إِنَّا مَعَكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٤] قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا [الْحُجُرَاتِ: ١٤] ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا [البقرة: ٨] ويعمل السيء فَقَالَ تَعَالَى اللَّهُ يَسْمَعُ أَقْوَالَهُمُ الْفَارِغَةَ وَيَعْلَمُ أعمالكم الصالحة فلا يضيع. ثم قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>