للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ

[مُحَمَّدٍ: ٢٠] وَرَابِعُهَا: الْمَعْنَى وَمَثَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَقَوْلِهِ: يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غَافِرٍ: ٦٧] أَيْ يُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ. السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا الْوُقُودُ؟ وَمَا النَّارُ؟ وَمَا الْإِضَاءَةُ؟ وَمَا النُّورُ؟

مَا الظُّلْمَةُ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا وُقُودُ النَّارِ فَهُوَ سُطُوعُهَا وَارْتِفَاعُ لَهَبِهَا، وَأَمَّا النَّارُ فَهُوَ جَوْهَرٌ لَطِيفٌ مُضِيءٌ، حَارٌّ مُحْرِقٌ، وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ نَارَ يَنُورُ إِذَا نَفَرَ، لِأَنَّ فِيهَا حَرَكَةً وَاضْطِرَابًا، وَالنُّورُ مُشْتَقٌّ مِنْهَا وَهُوَ ضَوْؤُهَا، وَالْمَنَارُ الْعَلَامَةُ، وَالْمَنَارَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُؤَذَّنُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ أَيْضًا لِلشَّيْءِ الَّذِي يُوضَعُ السِّرَاجُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ النُّورَةُ لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ الْبَدَنَ وَالْإِضَاءَةُ فَرْطُ الْإِنَارَةِ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً [يُونُسَ: ٥] وَ «أَضَاءَ» يَرِدُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا. تَقُولُ: أَضَاءَ الْقَمَرُ الظُّلْمَةَ، وَأَضَاءَ الْقَمَرُ بِمَعْنَى اسْتَضَاءَ قَالَ الشَّاعِرُ: -

أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ ... دُجَى اللَّيْلِ حَتَّى نَظَمَ الْجِزْعَ ثَاقِبُهُ

وَأَمَّا مَا حَوْلَ الشَّيْءِ فَهُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ، تَقُولُ دَارَ حَوْلَهُ وَحَوَالَيْهِ، وَالْحَوْلُ السَّنَةُ لِأَنَّهَا تَحُولُ، وَحَالَ عَنِ الْعَهْدِ أَيْ تَغَيَّرَ، وَحَالَ لَوْنُهُ أَيْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَالْحَوَالَةُ انْقِلَابُ الْحَقِّ مِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ، وَالْمُحَاوَلَةُ طَلَبُ الْفِعْلِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَالِبًا لَهُ، وَالْحَوَلُ انْقِلَابُ الْعَيْنِ، وَالْحِوَلُ الِانْقِلَابُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا [الْكَهْفِ: ١٠٨] وَالظُّلْمَةُ عَدَمُ النُّورِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَسْتَنِيرَ، وَالظُّلْمَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ النُّقْصَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً [الْكَهْفِ: ٣٣] أَيْ لَمْ تَنْقُصْ وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، أَيْ فَمَا نَقَصَ حَقَّ الشَّبَهِ، وَالظُّلْمُ الثَّلْجُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِصُ سَرِيعًا وَالظُّلْمُ مَاءُ السِّنِّ وَطَرَاوَتُهُ وَبَيَاضُهُ تَشْبِيهًا لَهُ بِالثَّلْجِ. السُّؤَالُ الرَّابِعُ: أَضَاءَتْ مُتَعَدِّيَةٌ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ: كِلَاهُمَا جَائِزٌ، يُقَالُ: أَضَاءَتِ النَّارُ بِنَفْسِهَا وَأَضَاءَتْ غَيْرَهَا وَكَذَلِكَ أَظْلَمَ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ وأظلم غيره أي صيره مظلماً، وهاهنا الْأَقْرَبُ أَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَعَدِّيَةٍ مُسْتَنِدَةً إِلَى مَا حَوْلَهُ وَالتَّأْنِيثُ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ مَا حَوْلَ الْمُسْتَوْقِدِ أَمَاكِنُ وَأَشْيَاءُ، وَيُعَضِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ «ضَاءَ» السُّؤَالُ الْخَامِسُ: هَلَّا قِيلَ ذَهَبَ اللَّهُ بِضَوْئِهِمْ لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا أَضاءَتْ؟ الْجَوَابُ: ذِكْرُ النُّورِ أَبْلَغُ لِأَنَّ الضَّوْءَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الزِّيَادَةِ، فَلَوْ قِيلَ ذَهَبَ اللَّهُ بِضَوْئِهِمْ لَأَوْهَمَ/ ذَهَابَ الْكَمَالِ وَبَقَاءَ مَا يُسَمَّى نُورًا وَالْغَرَضُ إِزَالَةُ النُّورِ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ. أَلَا تَرَى كَيْفَ ذَكَرَ عَقِيبَهُ: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ وَالظُّلْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ النُّورِ، وَكَيْفَ جَمَعَهَا، وَكَيْفَ نَكَّرَهَا وَكَيْفَ أَتْبَعَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا ظُلْمَةٌ خَالِصَةٌ وَهُوَ قَوْلُهُ:

لَا يُبْصِرُونَ السُّؤَالُ السَّادِسُ: لِمَ قَالَ: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ أَذْهَبَ اللَّهُ نُورَهُمْ وَالْجَوَابُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَذْهَبَ وَذَهَبَ بِهِ أَنَّ مَعْنَى أَذْهَبَهُ أَزَالَهُ وَجَعَلَهُ ذَاهِبًا، وَيُقَالُ ذَهَبَ بِهِ إِذَا اسْتَصْحَبَهُ، وَمَعْنَى بِهِ مَعَهُ، وَذَهَبَ السُّلْطَانُ بِمَالِهِ أَخَذَهُ قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ [يُوسُفَ: ١٥] إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩١] وَالْمَعْنَى أَخَذَ اللَّهُ نُورَهُمْ وَأَمْسَكَهُ وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ [فَاطِرٍ: ٢] فَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْإِذْهَابِ وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ «أَذْهَبَ اللَّهُ نُورَهُمْ» . السُّؤَالُ السَّابِعُ: مَا مَعْنَى (وَتَرَكَهُمْ) ؟ وَالْجَوَابُ: تَرَكَ إِذَا عُلِّقَ بِوَاحِدٍ فَهُوَ بِمَعْنَى طَرَحَ وَإِذَا عُلِّقَ بِشَيْئَيْنِ كَانَ بِمَعْنَى صَيَّرَ، فَيَجْرِي مَجْرَى أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ أَصْلُهُ هُمْ فِي ظلمات ثم دخل ترك فنصبت الجزئين. السُّؤَالُ الثَّامِنُ: لِمَ حُذِفَ أَحَدُ الْمَفْعُولَيْنِ مِنْ لَا يُبْصِرُونَ؟

الْجَوَابُ: أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَتْرُوكِ الَّذِي لَا يُلْتَفَتُ إِلَى إِخْطَارِهِ بِالْبَالِ، لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقَدَّرِ الْمَنْوِيِّ، كَأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ متعد أصلًا.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨]]

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)