وَأَرَادُوا حَمَلَ مِنْ كُلِّ شَيْءِ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ الذَّكَرُ زَوْجٌ وَالْأُنْثَى زَوْجٌ لَا يُقَالُ عَلَيْهِ إِنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَكُونَانِ إِلَّا اثْنَيْنِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا عَلَى مِثَالِ قَوْلِهِ: لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ [النَّحْلِ: ٥١] وَقَوْلِهِ: نَفْخَةٌ واحِدَةٌ [الْحَاقَّةِ: ١٣] وَأَمَّا على القراءة المشهورة، فهذا السؤال غير وأراد وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ غَيْرُ الْحَيَوَانِ أَمْ لَا؟ فَنَقُولُ: أَمَّا الْحَيَوَانُ فَدَاخِلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ الْحَيَوَانَاتِ، وَأَمَّا النَّبَاتُ فَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ بِحَسَبِ قَرِينَةِ الْحَالِ لَا يَبْعُدُ بِسَبَبِ أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إِلَى النَّبَاتِ بِجَمِيعِ أَقْسَامِهِ،
وَجَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْتَطِعْ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَحْمِلَ الْأَسَدَ حَتَّى أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى وَذَلِكَ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ الْأَسَدَ إِذَا حَمَلْتُهُ قَالَ تَعَالَى: «فَسَوْفَ أَشْغَلُهُ عَنِ الطَّعَامِ» فَسَلَّطَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ الْحُمَّى
وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْأَوْلَى تَرْكُهَا، فَإِنَّ حَاجَةَ الْفِيلِ إِلَى الطَّعَامِ أَكْثَرُ وَلَيْسَ بِهِ حُمَّى. الثَّانِي: مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَمَرَ اللَّه نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَمْلِهَا فِي السَّفِينَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ قَالُوا: كَانُوا سَبْعَةً نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَثَلَاثَةُ أَبْنَاءٍ لَهُ وَهُمْ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافِثُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَةٌ، وَقِيلَ أَيْضًا كَانُوا ثَمَانِيَةً، هَؤُلَاءِ وَزَوْجَةَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فَالْمُرَادُ ابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ وَكَانَا كَافِرَيْنِ، حَكَمَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْإِنْسَانُ أَشْرَفُ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ فَمَا السَّبَبُ أَنَّهُ وَقَعَ الِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ الْحَيَوَانَاتِ؟
قُلْنَا: الْإِنْسَانُ عَاقِلٌ وَهُوَ لِعَقْلِهِ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى دَفْعِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّرْغِيبِ، بِخِلَافِ السَّعْيِ فِي تَخْلِيصِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ وَقَعَ الِابْتِدَاءُ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فِي إِثْبَاتِ الْقَضَاءِ اللَّازِمِ وَالْقَدَرِ الْوَاجِبِ، قَالُوا: لِأَنَّ قَوْلَهُ: سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ وَهُوَ
كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «السَّعِيدَ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بطن أمه» .
[قوله تعالى وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ] النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ قَوْلُهُ: وَمَنْ آمَنَ قَالُوا كَانُوا ثَمَانِينَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: فِي نَاحِيَةِ الْمَوْصِلِ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا قَرْيَةُ الثَّمَانِينَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمَّا خَرَجُوا مِنَ السَّفِينَةِ بَنَوْهَا، فَسُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ وَذَكَرُوا مَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْهُ وَمَا هُوَ أَنْقَصُ مِنْهُ وَذَلِكَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِالْقِلَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَدَخَلُوا فِي السَّفِينَةِ كَانُوا جَمَاعَةً فَلِمَ لَمْ يَقُلْ قَلِيلُونَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [الشُّعَرَاءِ: ٥٤] .
قُلْنَا: كِلَا اللَّفْظَيْنِ جَائِزٌ، وَالتَّقْدِيرُ هاهنا وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ، فَأَمَّا الَّذِي يُرْوَى أَنَّ إِبْلِيسَ دَخَلَ السَّفِينَةَ فَبَعِيدٌ، لِأَنَّهُ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ جِسْمٌ نَارِيٌّ أَوْ هَوَائِيٌّ وَكَيْفَ يُؤَثِّرُ الْغَرَقُ فِيهِ، وَأَيْضًا كِتَابُ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَخَبَرٌ صَحِيحٌ مَا وَرَدَ فِيهِ، فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْخَوْضِ فِيهِ.
[[سورة هود (١١) : آية ٤١]]
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)
[في قوله تعالى وَقالَ ارْكَبُوا فِيها] أَمَّا قَوْلُهُ: وَقالَ يَعْنِي نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: ارْكَبُوا وَالرُّكُوبُ الْعُلُوُّ عَلَى ظَهْرِ الشَّيْءِ ومنه ركوب