للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خضرا ولها رءوس مثل رءوس السِّبَاعِ، وَأَقُولُ: إِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَفْوَاجًا، فَلَعَلَّ كُلَّ فَوْجٍ مِنْهَا كَانَ عَلَى شَكْلٍ آخَرَ فَكُلُّ أَحَدٍ وَصَفَ مَا رَأَى، وَقِيلَ: كَانَتْ بلقاء كالخطاطيف. ثم قال تعالى:

[[سورة الفيل (١٠٥) : آية ٤]]

تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ: (يَرْمِيهِمْ) أَيِ اللَّهُ أَوِ الطَّيْرُ لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ مُذَكَّرٌ، وَإِنَّمَا يُؤَنَّثُ عَلَى الْمَعْنَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا فِي كَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ كُلُّ طَائِرٍ يَحْمِلُ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ، وَاحِدٌ فِي مِنْقَارِهِ وَاثْنَانِ فِي رِجْلَيْهِ يَقْتُلُ كُلُّ وَاحِدٍ رَجُلًا، مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ صَاحِبِهِ مَا وَقَعَ مِنْهَا حَجَرٌ عَلَى مَوْضِعٍ إِلَّا خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ وَثَانِيهَا: رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ الْحِجَارَةَ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ لَمْ يَقَعْ حَجَرٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلَّا نَفِطَ جِلْدُهُ وَثَارَ بِهِ الْجُدَرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَحْجَارُ أَصْغَرُهَا مِثْلُ الْعَدَسَةِ، وَأَكْبَرُهَا مِثْلُ الْحِمِّصَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ فِي الْحِجَارَةِ الَّتِي تَكُونُ مِثْلَ الْعَدَسَةِ مِنَ الثِّقَلِ مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ مِنْ رَأْسِ الْإِنْسَانِ وَيَخْرُجَ مِنْ أَسْفَلِهِ، لَجَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ الْجَبَلُ الْعَظِيمُ خَالِيًا عَنِ الثِّقَلِ وَأَنْ يَكُونَ فِي وَزْنِ التِّبْنَةِ، وَذَلِكَ يَرْفَعُ الْأَمَانَ عَنِ الْمُشَاهَدَاتِ، فَإِنَّهُ مَتَى جَازَ ذَلِكَ فَلْيَجُزْ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِنَا شُمُوسٌ وَأَقْمَارٌ وَلَا نَرَاهَا، وَأَنْ يَحْصُلَ الْإِدْرَاكُ فِي عَيْنِ الضَّرِيرِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ بِالْمُشْرِقِ وَيَرَى بُقْعَةً فِي الْأَنْدَلُسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِنَا إِلَّا أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّهَا لَا تَقَعُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ذَكَرُوا فِي السِّجِّيلِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: أَنَّ السِّجِّيلَ كَأَنَّهُ عَلَمٌ لِلدِّيوَانِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ عَذَابُ الْكُفَّارِ، كَمَا أَنَّ سِجِّينًا عَلَمٌ لِدِيوَانِ أَعْمَالِهِمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ: بِحِجَارَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الْعَذَابِ الْمَكْتُوبِ الْمُدَوَّنِ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْإِسْجَالِ وَهُوَ الْإِرْسَالُ، وَمِنْهُ السِّجِلُّ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءُ مَاءً، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ كُتِبَ فِيهِ الْعَذَابُ، وَالْعَذَابُ مَوْصُوفٌ بِالْإِرْسَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ [الفيل: ٣] وَقَوْلِهِ: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ [الْأَعْرَافِ: ١٣٣] فَقَوْلُهُ: مِنْ سِجِّيلٍ أَيْ مِمَّا كَتَبَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ وَثَانِيهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سِجِّيلٌ مَعْنَاهُ سَنْكِ وَكِلْ، يَعْنِي بَعْضُهُ حَجَرٌ وَبَعْضُهُ طِينٌ وَثَالِثُهَا: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: السِّجِّيلُ الشَّدِيدُ وَرَابِعُهَا: السِّجِّيلُ اسْمٌ لِسَمَاءِ الدُّنْيَا وَخَامِسُهَا: السِّجِّيلُ حِجَارَةٌ مِنْ جَهَنَّمَ، فَإِنَّ سِجِّيلَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جهنم فأبدلت النون باللام. أما قوله تعالى:

[[سورة الفيل (١٠٥) : آية ٥]]

فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)

فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ الْعَصْفِ وُجُوهًا ذَكَرْنَاهَا فِي قوله: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ [الرحمن: ١٢] وذكروا هاهنا وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنَّهُ وَرَقُ الزَّرْعِ الَّذِي يَبْقَى فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْحَصَادِ وَتَعْصِفُهُ الرِّيَاحُ فَتَأْكُلُهُ الْمَوَاشِي وَثَانِيهَا: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الْعَصْفُ التِّبْنُ لِقَوْلِهِ: ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ [الرَّحْمَنِ: ١٢] لِأَنَّهُ تَعْصِفُ بِهِ الرِّيحُ عِنْدَ الذَّرِّ فَتُفَرِّقُهُ عَنِ الْحَبِّ، وَهُوَ إِذَا كَانَ مَأْكُولًا فَقَدْ بَطَلَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَلَا مَنَعَةَ فِيهِ وَثَالِثُهَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>