يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَامِلِ، وَأَمَّا وَضْعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ في العالم فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ.
الْحُكْمُ السَّادِسُ أَنَّ الْعَامِلَ وَالْمُؤَلَّفَةَ مَفْقُودَانِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَفِيهِ الْأَصْنَافُ السِّتَّةُ وَالْأَوْلَى صَرْفُ الزَّكَاةِ إِلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي الِاحْتِيَاطِ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
الْحُكْمُ السَّابِعُ عُمُومُ قَوْلِهِ: لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ يَتَنَاوَلُ الْكَافِرَ وَالْمُسْلِمَ إِلَّا أَنَّ الْأَخْبَارَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَغَيْرِهِمْ إِلَّا إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ وَشَرَحَ أَحْوَالَهُمْ. قَالَ: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ قَالَ الزَّجَّاجُ:
فَرِيضَةً مَنْصُوبٌ عَلَى التَّوْكِيدِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِهَؤُلَاءِ جَارٍ مَجْرَى قَوْلِهِ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّدَقَاتِ لِهَؤُلَاءِ فَرِيضَةً، وَذَلِكَ كَالزَّجْرِ عَنْ مُخَالَفَةِ هَذَا الظَّاهِرِ،
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِقِسْمَةِ الزَّكَاةِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ»
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ التَّأْكِيدَاتِ تَحْرِيمُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ أَيْ أَعْلَمُ بِمَقَادِيرِ الْمَصَالِحِ حَكِيمٌ لَا يُشَرِّعُ إِلَّا ما هو الأصوب الأصلح والله أعلم.
[[سورة التوبة (٩) : آية ٦١]]
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ جَهَالَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِنَّهُ أُذُنٌ عَلَى وَجْهِ الطَّعْنِ وَالذَّمِّ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي عِكْرِمَةَ عَنْهُ أُذُنُ خَيْرٍ مَرْفُوعَيْنِ مُنَوَّنَيْنِ، عَلَى تَقْدِيرِ: إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ إِنَّهُ أُذُنٌ. فَأُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ يَقْبَلُ مِنْكُمْ وَيَصْدُقُكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ يَكْذِبَكُمْ، وَالْبَاقُونَ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ بِالْإِضَافَةِ، أَيْ هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ، لَا أُذُنُ شَرٍّ، وقرأ نافع أذن ساكنته الذَّالِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَالْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ عُنُقٍ وَظُفُرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُنَافِقِينَ، ذَكَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي مِنَ الْقَوْلِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَبْلُغَهُ مَا نَقُولُ، فَقَالَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ: بَلْ نَقُولُ مَا شِئْنَا، ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَيْهِ وَنَحْلِفُ أَنَّا مَا قُلْنَا، فَيَقْبَلُ قَوْلَنَا، وَإِنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ سَامِعَةٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ مَا هَذَا الرَّجُلُ إِلَّا أُذُنٌ، مَنْ شَاءَ صَرَفَهُ حَيْثُ شَاءَ لَا عَزِيمَةَ لَهُ. وَرَوَى الْأَصَمُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا، فَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ فَسَمِعَهَا ابْنُ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَإِنَّكَ أَشَرُّ من حمارك،