للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلصُّورَةِ، وَيَكُونُ/ مِحْنَةً لَا عُقُوبَةً فَبَيَّنَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: فَجَعَلْناها نَكالًا أَنَّهُ تَعَالَى فَعَلَهَا عُقُوبَةً عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها فَفِيهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: لِمَا قَبْلَهَا وَمَا مَعَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ لِأَنَّ مَسْخَهُمْ ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ فَاعْتَبَرُوا بِهَا وَاعْتَبَرَ بِهَا مَنْ بَلَغَ إِلَيْهِ خَبَرُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ مِنَ الَآخِرِينَ، وَثَانِيهَا: أُرِيدُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا مَا يَحْضُرُهَا مِنَ الْقُرُونِ وَالْأُمَمِ، وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا عُقُوبَةً لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ عَرَفَ الْأَمْرَ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ يَتَّعِظُ بِهِ وَيَخَافُ إِنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مِثْلُ مَا نَزَلْ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ عَاجِلًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَخَافَ مِنَ الْعِقَابِ الْآجِلِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ وَأَدُومُ. وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ فَكَمِثْلِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ لأنهم إذا اختصموا بِالِاتِّعَاظِ وَالِانْزِجَارِ وَالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ صَلُحَ أَنْ يُخَصُّوا بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ لِغَيْرِهِمْ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ أَنْ يَعِظَ الْمُتَّقُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَيْ جَعَلْنَاهَا نَكَالًا وَلِيَعِظَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَّقِينَ بَعْضًا فَتَكُونُ الْمَوْعِظَةُ مُضَافَةً إِلَى الْمُتَّقِينَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَّعِظُونَ بِهَا، وَهَذَا خَاصٌّ لَهُمْ دُونَ غَيْرِ الْمُتَّقِينَ وَاللَّهُ أعلم.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٧ الى ٧٣]

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣)

[في شأن النزول الآيات] اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ التَّشْدِيدَاتِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَائِرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلَ قَرِيبًا لِكَيْ يَرِثَهُ ثُمَّ رَمَاهُ فِي مَجْمَعِ الطَّرِيقِ ثُمَّ شَكَا ذَلِكَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاجْتَهَدَ مُوسَى فِي تَعَرُّفِ الْقَاتِلِ، فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ قَالُوا لَهُ: سَلْ لَنَا رَبَّكَ حَتَّى يُبَيِّنَهُ، فَسَأَلَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالِاسْتِفْهَامِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ وَاسْتَقْصَوْا فِي طَلَبِ الْوَصْفِ فَلَمَّا تَعَيَّنَتْ لَمْ يَجِدُوهَا بِذَلِكَ النَّعْتِ إِلَّا عِنْدَ إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَبِعْهَا إِلَّا بِأَضْعَافِ ثَمَنِهَا، فَاشْتَرَوْهَا وذبحوها وأمرهم