للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة القلم (٦٨) : آية ٤٩]]

لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩)

وَقُرِئَ (رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، وهاهنا سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَتْهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ؟ الْجَوَابُ: إِنَّمَا حَسُنَ تَذْكِيرُ الْفِعْلِ لِفَصْلِ الضَّمِيرِ فِي تَدَارَكَهُ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ تَدَارَكَتْهُ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ: تَدَارَكَهُ، أَيْ تَتَدَارَكُهُ عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ، بِمَعْنَى لَوْلَا أَنْ كَانَ، يُقَالُ: فِيهِ تَتَدَارَكُهُ، كَمَا يُقَالُ: كَانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ فَمَنَعَهُ فُلَانٌ، أَيْ كَانَ يُقَالُ فِيهِ:

سَيَقُومُ، وَالْمَعْنَى كَانَ مُتَوَقَّعًا مِنْهُ الْقِيَامُ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ؟ الْجَوَابُ: الْمُرَادُ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ، هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالتَّوْفِيقِ لِلتَّوْبَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَالطَّاعَاتِ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: أَيْنَ جَوَابُ لَوْلَا؟ الْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ: لَوْلَا هَذِهِ النِّعْمَةُ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ مَعَ وَصْفِ الْمَذْمُومِيَّةِ، فَلَمَّا حَصَلَتْ هَذِهِ النِّعْمَةُ لَا جَرَمَ لَمْ يُوجَدِ النَّبْذُ بِالْعَرَاءِ مَعَ هَذَا الْوَصْفِ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَقَدَ هَذَا الْوَصْفَ فَقَدْ فَقَدَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ الثَّانِي: لَوْلَا هَذِهِ النِّعْمَةُ لَبَقِيَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ نُبِذَ بِعَرَاءِ الْقِيَامَةِ مَذْمُومًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصَّافَّاتِ: ١٤٣، ١٤٤] وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: عَرْصَةُ الْقِيَامَةِ وَعَرَاءُ الْقِيَامَةِ.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: هَلْ يَدُلُّ قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْمُومٌ عَلَى كَوْنِهِ فَاعِلًا لِلذَّنْبِ؟ الْجَوَابُ: مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ:

أَنَّ كَلِمَةَ لَوْلَا: دَلَّتْ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَذْمُومِيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ الثَّانِي: لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَذْمُومِيَّةِ تَرْكُ الْأَفْضَلِ، فَإِنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ الثَّالِثُ: لَعَلَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ قبل النبوة لقوله: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ [القلم: ٥٠] وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ.

السُّؤَالُ الْخَامِسُ: مَا سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ؟ الْجَوَابُ: يُرْوَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِأُحُدٍ حِينَ حَلَّ بِرَسُولِ اللَّهِ مَا حَلَّ، فَأَرَادَ أن يدعوا عَلَى الَّذِينَ انْهَزَمُوا، وَقِيلَ: حِينَ أَرَادَ أَنْ يدعو على ثقيف.

[[سورة القلم (٦٨) : آية ٥٠]]

فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠)

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ الْوَحْيَ وَشَفَّعَهُ فِي قَوْمِهِ وَالثَّانِي:

قَالَ قَوْمٌ: وَلَعَلَّهُ مَا كَانَ رَسُولًا صَاحِبَ وَحْيٍ قَبْلَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ رَسُولًا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ وَالَّذِينَ أَنْكَرُوا الْكَرَامَاتِ وَالْإِرْهَاصَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَخْتَارُوا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. لِأَنَّ احْتِبَاسَهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَعَدَمَ مَوْتِهِ هُنَاكَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِرْهَاصًا وَلَا كَرَامَةً فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُعْجِزَةً وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الصَّلَاحَ إِنَّمَا حَصَلَ بِجَعْلِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ، قَالَ الْجُبَّائِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى جَعَلَهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَطَفَ بِهِ حَتَّى صَلَحَ إِذِ الْجَعْلُ يُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَالْجَوَابُ: أَنَّ هذين

<<  <  ج: ص:  >  >>