محمد صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَجَعَلَهُ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، وَقَدْ دَامَ الْخَلْقُ عَلَى دِينِ أَوْلَادِ إِسْحَاقَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَةٍ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَبْقَى الْخَلْقُ عَلَى دِينِ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ. ثم قال تعالى:
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠)
الْإِعْرَابُ فِي لُوطٍ، وَالتَّفْسِيرُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي قوله: وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [العنكبوت: ١٦] وهاهنا مسائل:
الْأُولَى: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَقَالَ عن لوط هاهنا أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ فَنَقُولُ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ لُوطًا عِنْدَ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ لُوطٌ فِي زَمَانِ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَذْكُرْ عَنْ لوط أنه أمر قدمه بِالتَّوْحِيدِ مَعَ أَنَّ الرَّسُولَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فَنَقُولُ حِكَايَةُ لُوطٍ وَغَيْرُهَا/ هاهنا ذَكَرَهَا اللَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا اخْتَصَّ بِهِ لُوطٌ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنَ الْفَاحِشَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ الْأَمْرَ بِالتَّوْحِيدِ وَإِنْ كَانَ قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: ٥٩] لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ أَتَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَسَبَقَهُ فَصَارَ كَالْمُخْتَصِّ بِهِ وَلُوطٌ يُبَلِّغُ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ. وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ كَانَ مُخْتَصًّا بِلُوطٍ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ [فِي زَمَنِهِ] وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْهُ فَذَكَرَ كُلَّ وَاحِدٍ بِمَا اخْتَصَّ بِهِ وَسَبَقَ بِهِ غَيْرَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِمَ سَمَّى ذَلِكَ الْفِعْلَ فَاحِشَةً؟ فَنَقُولُ الْفَاحِشَةُ هُوَ الْقَبِيحُ الظَّاهِرُ قُبْحُهُ، ثُمَّ إِنَّ الشَّهْوَةَ وَالْغَضَبَ صِفَتَا قُبْحٍ لَوْلَا مَصْلَحَةٌ مَا كَانَ يَخْلُقُهُمَا اللَّهُ فِي الْإِنْسَانِ، فَمَصْلَحَةُ الشَّهْوَةِ الْفَرْجِيَّةِ هِيَ بَقَاءُ النَّوْعِ بِتَوْلِيدِ الشَّخْصِ، وَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِوُجُودِ الْوَلَدِ وَبَقَائِهِ بَعْدَ الْأَبِ، فَإِنَّهُ لَوْ وُجِدَ وَمَاتَ قَبْلَ الْأَبِ كَانَ يَفْنَى النَّوْعُ بِفَنَاءِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ الزِّنَا قَضَاءُ شَهْوَةٍ وَلَا يُفْضِي إِلَى بَقَاءِ النَّوْعِ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْبِنَاءَ بِالْوُجُودِ وَبَقَاءِ الْوَلَدِ بَعْدَ الْأَبِ لَكِنَّ الزِّنَا وَإِنْ كَانَ يُفْضِي إِلَى وُجُودِ الْوَلَدِ وَلَكِنْ لَا يُفْضِي إِلَى بَقَائِهِ، لِأَنَّ الْمِيَاهَ إِذَا اشْتَبَهَتْ لَا يَعْرِفُ الْوَالِدُ وَلَدَهُ فَلَا يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَيَضِيعُ وَيَهْلِكُ، فَلَا يَحْصُلُ مَصْلَحَةُ الْبَقَاءِ، فَإِذَنِ الزِّنَا شَهْوَةٌ قَبِيحَةٌ خَالِيَةٌ عَنِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا خُلِقَتْ، فَهُوَ قَبِيحٌ ظَاهِرٌ قُبْحُهُ حَيْثُ لَا تَسْتُرُهُ الْمَصْلَحَةُ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَإِذَا كَانَ الزِّنَا فَاحِشَةً مَعَ أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى وُجُودِ الْوَلَدِ وَلَكِنْ لَا يُفْضِي إِلَى بَقَائِهِ، فَاللِّوَاطَةُ الَّتِي لَا تُفْضِي إِلَى وُجُودِهِ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ فَاحِشَةً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي اللِّوَاطَةِ، لِأَنَّهَا مَعَ الزِّنَا اشْتَرَكَتْ فِي كَوْنِهِمَا فَاحِشَةً حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً [الْإِسْرَاءِ: ٣٢] وَاشْتِرَاكُهُمَا فِي الْفَاحِشَةِ يُنَاسِبُ الزَّجْرَ عَنْهُ، فَمَا شَرَعَ زَاجِرًا هُنَاكَ يشرع زاجرا هاهنا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا إِلَّا أَنَّ جَامِعَهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْآيَةِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ عَذَابَ مَنْ أَتَى بِهَا إِمْطَارَ الْحِجَارَةِ حَيْثُ أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً عَاجِلًا، فَوَجَبَ أَنْ يُعَذَّبَ مَنْ أَتَى بِهِ بِأَمْطَارِ الْحِجَارَةِ بِهِ عَاجِلًا وَهُوَ الرَّجْمُ، وَقَوْلُهُ: مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قبلهم لم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute