للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٦]]

كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦)

أَيْ مَثَلُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ غَرُّوا بَنِي النَّضِيرَ بِقَوْلِهِمْ: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ [الشر: ١١] ثُمَّ خَذَلُوهُمْ وَمَا وَفَّوْا بِعَهْدِهِمْ: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ/ ثُمَّ تَبَرَّأَ مِنْهُ فِي الْعَاقِبَةِ، وَالْمُرَادُ إِمَّا عُمُومُ دَعْوَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى الْكُفْرِ، وَإِمَّا إِغْوَاءُ الشَّيْطَانِ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ بِقَوْلِهِ: لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ [الأنفال: ٤٨] . ثم قال:

[[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٧]]

فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)

وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأَوْلَى: قَالَ مُقَاتِلٌ: فَكَانَ عَاقِبَةُ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ مِثْلَ عَاقِبَةِ الشَّيْطَانِ وَالْإِنْسَانِ حَيْثُ صَارَا إِلَى النَّارِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قَرَأَ ابْنُ مسعود (خالدان فيها) ، على أنه خبران، وفِي النَّارِ لَغْوٌ، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ الْخَبَرُ هُوَ الظرف وخالِدَيْنِ فِيها حَالٌ، وَقُرِئَ: عاقِبَتَهُما بِالرَّفْعِ، ثُمَّ قَالَ:

وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ أَيِ الْمُشْرِكِينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَانَ: ١٣] .

[[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٨]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى رَجَعَ إِلَى مَوْعِظَةِ الْمُؤْمِنِينَ فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ.

الْغَدُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَمَّاهُ بِالْيَوْمِ الَّذِي يَلِي يَوْمَكَ تَقْرِيبًا لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّفْسَ وَالْغَدَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيرِ. أَمَّا الْفَائِدَةُ فِي تَنْكِيرِ النَّفْسِ فَاسْتِقْلَالُ الْأَنْفُسِ الَّتِي تَنْظُرُ فِيمَا قَدَّمَتْ لِلْآخِرَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: فَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا تَنْكِيرُ الْغَدِ فَلِتَعْظِيمِهِ وَإِبْهَامِ أَمْرِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ: الْغَدُ لَا يُعْرَفُ كُنْهُهُ لِعِظَمِهِ.

ثُمَّ قَالَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ كَرَّرَ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى تَأْكِيدًا أَوْ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ: عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ والثاني: على ترك المعاصي.

[[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٩]]

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُقَاتِلَانِ:

نَسُوا حَقَّ اللَّه فَجَعَلَهُمْ نَاسِينَ حَقَّ أَنْفُسِهِمْ حَتَّى لَمْ يَسْعَوْا لَهَا بِمَا يَنْفَعُهُمْ عِنْدَهُ الثَّانِي: فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أَيْ أَرَاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأَهْوَالِ مَا نَسُوا فِيهِ أَنْفُسَهُمْ، كقوله: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ [إبراهيم: ٤٣] وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى

[الْحَجِّ: ٢] .

ثُمَّ قَالَ: أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الذَّمُّ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَرْشَدَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>