للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيَلْزَمُكُمْ كَوْنُ التَّعَلُّقِ الْأَوَّلِ حَادِثًا، لِأَنَّهُ لَوْ كان قديماً لما زال، وبكون التَّعَلُّقُ الَّذِي حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حَادِثًا فَإِذَنْ عَالِمِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَنْفَكُّ عَنِ التَّعَلُّقَاتِ الْحَادِثَةِ، وَمَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْمُحْدَثِ مُحْدَثٌ فَعَالِمِيَّةُ اللَّهِ مُحْدَثَةٌ. فَكُلُّ مَا تَجْعَلُونَهُ جَوَابًا عَنِ الْعَالِمِيَّةِ وَالْقَادِرِيَّةِ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنِ الْكَلَامِ.

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَقْرِيرِهِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَالْقَدِيرُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَهُوَ بِنَاءُ الْمُبَالَغَةِ.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٧]]

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧)

اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا حَكَمَ بِجَوَازِ النَّسْخِ عَقَّبَهُ بِبَيَانِ أَنَّ ملك السموات وَالْأَرْضِ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا حَسُنَ مِنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِلْخَلْقِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ إِنَّمَا حَسُنَ التَّكْلِيفُ مِنْهُ لِمَحْضِ كَوْنِهِ مَالِكًا لِلْخَلْقِ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِمْ لَا لِثَوَابٍ يَحْصُلُ، أَوْ لِعِقَابٍ يَنْدَفِعُ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِشَارَةً إِلَى أَمْرِ القبلة، فإنه تعالى أخبرهم بأنه مالك السموات وَالْأَرْضِ وَأَنَّ الْأَمْكِنَةَ وَالْجِهَاتِ كُلَّهَا لَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُ الْجِهَاتِ أَكْبَرَ حُرْمَةً مِنَ الْبَعْضِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ يَجْعَلُهَا هُوَ تَعَالَى لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَ الْأَمْرُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إِنَّمَا هُوَ مَحْضُ التَّخْصِيصِ بِالتَّشْرِيفِ، فَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ تَغَيُّرِهِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ وَالنَّصِيرُ فَكِلَاهُمَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالِغَةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُلْكَ غَيْرُ الْقُدْرَةِ، فَقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ أَوَّلًا: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ:

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَلَوْ كَانَ الْمُلْكُ عِبَارَةً عَنِ الْقُدْرَةِ لَكَانَ هَذَا تَكْرِيرًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَالْكَلَامُ فِي حَقِيقَةِ الْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الْفَاتِحَةِ: ٤] .

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٨]]

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨)

اعلم أن هاهنا مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: «أَمْ» عَلَى ضَرْبَيْنِ مُتَّصِلَةٍ وَمُنْقَطِعَةٍ، فَالْمُتَّصِلَةُ عَدِيلَةُ الْأَلِفِ وَهِيَ مُفَرِّقَةٌ لِمَا جَمَعَتْهُ أَيٌّ، كَمَا أَنَّ «أَوْ» مُفَرِّقَةٌ لِمَا جَمَعَتْهُ تَقُولُ: اضْرِبْ أَيَّهُمْ شِئْتَ زَيْدًا أَمْ عَمْرًا، فَإِذَا قُلْتَ: اضْرِبْ أَحَدَهُمْ قُلْتَ: اضْرِبْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، وَالْمُنْقَطِعَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ كَلَامٍ تَامٍّ، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى بَلْ وَالْأَلِفِ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: إِنَّهَا الْإِبِلُ أَمْ شَاءٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: بَلْ هِيَ شَاءٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [الأحقاف: ٨] أَيْ: بَلْ يَقُولُونَ، قَالَ الْأَخْطَلُ:

كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ ... غَلَسَ الظَّلَامِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالًا

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِ بِهِ عَلَى وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ وَالْجُبَّائِيِّ وَأَبِي مُسْلِمٍ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: أَمْ تُرِيدُونَ يَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة: ١٠٤] فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا فَهَلْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَمَا أُمِرْتُمْ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ؟ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُمُورٍ لَا خَيْرَ لَهُمْ فِي الْبَحْثِ عَنْهَا لِيَعْلَمُوهَا كَمَا سَأَلَ الْيَهُودُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ خَيْرٌ عَنِ الْبَحْثِ عَنْهُ، الرَّابِعُ: سَأَلَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ