للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ

فَقَوْلُهُ: حِجْرٌ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالذَّبْحِ وَالطَّحْنِ وَيَسْتَوِي فِي الْوَصْفِ بِهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَسْمَاءِ غَيْرِ الصِّفَاتِ وَأَصْلُ الْحِجْرِ الْمَنْعُ وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا لِمَنْعِهِ عَنِ الْقَبَائِحِ وَفُلَانٌ فِي حِجْرِ الْقَاضِي: أَيْ فِي مَنْعِهِ وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: حُجْرٌ بِضَمِّ الْحَاءِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَرَجٌ وَهُوَ مِنَ الضِّيقِ وَكَانُوا إِذَا عَيَّنُوا شَيْئًا مِنْ حَرْثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ لِآلِهَتِهِمْ قَالُوا: لَا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ يَعْنُونَ خَدَمَ الْأَوْثَانِ وَالرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مِنْ أَنْعَامِهِمُ الَّذِي قَالُوا فِيهِ: وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَهِيَ الْبَحَائِرُ وَالسَّوَائِبُ وَالْحَوَامِي وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي سورة المائدة.

والقسم الثالث: ف أَنْعامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي الذَّبْحِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ عَلَيْهَا أَسْمَاءَ الْأَصْنَامِ وَقِيلَ لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا وَلَا يُلَبُّونَ عَلَى ظُهُورِهَا.

ثُمَّ قَالَ: افْتِراءً عَلَيْهِ فَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَوْ حَالٌ أَوْ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الِافْتِرَاءِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الوعيد.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٩]]

وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩)

وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذَا نَوْعٌ رَابِعٌ مِنْ أَنْوَاعِ قَضَايَاهُمُ الْفَاسِدَةِ كَانُوا يَقُولُونَ فِي أَجِنَّةِ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ مَا وُلِدَ منها حيا فهو خالص لذكور لَا تَأْكُلُ مِنْهَا الْإِنَاثُ وَمَا وُلِدَ مَيِّتًا اشتراك فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَعِيدُ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ لِيَكُونَ الزَّجْرُ وَاقِعًا عَلَى حَدِّ الْحِكْمَةِ وَبِحَسَبِ الِاسْتِحْقَاقِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي تَأْنِيثِ: خالِصَةٌ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: قَوْلَيْنِ لِلْفَرَّاءِ وَقَوْلًا لِلْكِسَائِيِّ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْهَاءَ لَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ كَمَا قَالُوا: رَاوِيَةٌ وَعَلَّامَةٌ وَنَسَّابَةٌ وَالدَّاهِيَةُ وَالطَّاغِيَةُ كَذَلِكَ يَقُولُ هُوَ خَالِصَةٌ لِي وَخَالِصٌ لِي هَذَا قَوْلُ الْكِسَائِيِّ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ (مَا) فِي قَوْلِهِ: مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَجِنَّةِ وَإِذَا كَانَ عِبَارَةً عَنْ مُؤَنَّثٍ جَازَ تَأْنِيثُهُ عَلَى الْمَعْنَى وَتَذْكِيرُهُ عَلَى اللَّفْظِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ أُنِّثَ خَبَرُهُ الَّذِي هُوَ خَالِصَةٌ لِمَعْنَاهُ وَذُكِّرَ فِي قَوْلِهِ: وَمُحَرَّمٌ عَلَى اللَّفْظِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا وَالتَّقْدِيرُ: ذُو خَالِصَةٍ كَقَوْلِهِمْ: عَطَاؤُكَ عَافِيَةٌ وَالْمَطَرُ رَحْمَةُ وَالرُّخَصُ نِعْمَةٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قرا ابن عامر وان تكن بالتاء و: مَيْتَةً بِالنَّصْبِ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: يَكُنْ بِالْيَاءِ: مَيْتَةٌ بِالرَّفْعِ وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: تَكُنْ بِالتَّاءِ مَيْتَةً بِالنَّصْبِ وَالْبَاقُونَ: يَكُنْ بِالْيَاءِ مَيْتَةً بِالنَّصْبِ. أَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ فَوَجْهُهَا أَنَّهُ أَلْحَقَ الْفِعْلَ عَلَامَةَ التَّأْنِيثِ لَمَّا كَانَ الْفَاعِلُ مُؤَنَّثًا فِي اللَّفْظِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ فَوَجْهُهَا أَنَّ قَوْلَهُ: مَيْتَةً اسْمُ: يَكُنْ وَخَبَرُهُ مُضْمَرٌ. وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ مَيْتَةٌ أَوْ وَإِنْ يَكُنْ هُنَاكَ مَيْتَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>