وَقْتُ السُّكُونِ وَالرَّاحَةِ. فَإِذَا صُرِفَ إِلَى الْعِبَادَةِ كَانَتْ عَلَى الْأَنْفُسِ أَشَقَّ وَلِلْبَدَنِ أَتْعَبَ فَكَانَتْ أَدْخَلَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ وَالْفَضْلِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: النَّهَارُ لَهُ طَرَفَانِ فَكَيْفَ قَالَ: وَأَطْرافَ النَّهارِ بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ [هُودٍ: ١١٤] ، وَجَوَابُهُ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فَسَقَطَ السُّؤَالُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا جُمِعَ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ نَهَارٍ وَيَعُودُ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّكَ تَرْضى فَفِيهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا:
أَنَّ هَذَا كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْكَبِيرُ: يَا فُلَانُ اشْتَغِلْ بِالْخِدْمَةِ فَلَعَلَّكَ تَنْتَفِعُ بِهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ إِنِّي أُوصِلُكَ إِلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ فِي النِّعْمَةِ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضُّحَى: ٥] وَقَوْلُهُ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الْإِسْرَاءِ: ٧٩] ، وَثَانِيهَا: لَعَلَّكَ تَرْضَى مَا تَنَالُ مِنَ الثَّوَابِ. وَثَالِثُهَا: لَعَلَّكَ تَرْضَى مَا تَنَالُ مِنَ الشَّفَاعَةِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ: لَعَلَّكَ تَرْضى بِضَمِّ التَّاءِ وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَرْضَاهُ فَقَدْ رضيه وإذا رضيه فقد أرضاه.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٣١ الى ١٣٥]
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢) وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا صَبَّرَ رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا يَقُولُونَ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَعْدِلَ إِلَى التَّسْبِيحِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِنَهْيِهِ عَنْ مَدِّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا مَتَّعَ بِهِ الْقَوْمَ فَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ مِنْهُ نَظَرُ الْعَيْنِ وَهَؤُلَاءِ قَالُوا:
مَدُّ النَّظَرِ تَطْوِيلُهُ وَأَنْ لَا يَكَادَ يَرُدَّهُ اسْتِحْسَانًا لِلْمَنْظُورِ إِلَيْهِ إِعْجَابًا بِهِ كَمَا فَعَلَ نَظَّارَةُ قارون حيث قالوا: يَا لَيْتَ لَنا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [الْقَصَصِ: ٧٩] حَتَّى وَاجَهَهُمْ أولوا الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِمْ:
وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [الْقَصَصِ: ٨٠] وَفِيهِ أَنَّ النَّظَرَ غَيْرَ الْمَمْدُودِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا نَظَرَ الْإِنْسَانُ إِلَى شَيْءٍ مَرَّةً ثُمَّ غَضَّ، وَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ إِلَى الزَّخَارِفِ كَالْمَرْكُوزِ فِي الطِّبَاعِ قِيلَ: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أَيْ لَا تَفْعَلْ مَا أَنْتَ مُعْتَادٌ لَهُ. وَلَقَدْ شَدَّدَ الْمُتَّقُونَ فِي وُجُوبِ غَضِّ الْبَصَرِ عَنْ أَبْنِيَةِ الظَّلَمَةِ وَعُدَدِ الْفَسَقَةِ فِي اللِّبَاسِ وَالْمَرْكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِعُيُونِ النَّظَّارَةِ، فَالنَّاظِرُ إِلَيْهَا مُحَصِّلٌ لِغَرَضِهِمْ وَكَالْمُقَوِّي لَهُمْ عَلَى اتِّخَاذِهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ لَيْسَ هُوَ النَّظَرَ، بَلْ هُوَ الْأَسَفُ أَيْ لَا تَأْسَفْ عَلَى مَا فَاتَكَ مِمَّا نَالُوهُ مِنْ حَظِّ الدُّنْيَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
قَالَ أَبُو رَافِعٍ: «نَزَلَ ضَيْفٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَنِي إِلَى يَهُودِيٍّ لِبَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ، فَقَالَ: واللَّه لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا بِرَهْنٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَذْهَبَ بِدِرْعِهِ إِلَيْهِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّه لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَإِلَى أَعْمَالِكُمْ»
وَقَالَ أَبُو