الدَّرْدَاءِ: الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ وَمَالُ/ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ. وَعَنِ الْحَسَنِ: لَوْلَا حُمْقُ النَّاسِ لَخَرِبَتِ الدُّنْيَا. وَعَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا الدُّنْيَا رَبًّا فَتَتَّخِذَكُمْ لَهَا عَبِيدًا، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى مَا عِنْدَ السَّلَاطِينِ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللَّه، أَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ [أَيْ] أَلْذَذْنَا بِهِ، وَالْإِمْتَاعُ الْإِلْذَاذُ بِمَا يُدْرَكُ مِنَ الْمَنَاظِرِ الْحَسَنَةِ وَيُسْمَعُ مِنَ الْأَصْوَاتِ الْمُطْرِبَةِ وَيُشَمُّ مِنَ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَابِسِ وَالْمَنَاكَحِ، يُقَالُ أَمْتَعَهُ إِمْتَاعًا وَمَتَّعَهُ تَمْتِيعًا وَالتَّفْعِيلُ يَقْتَضِي التَّكْثِيرَ، أَمَّا قَوْلُهُ: أَزْواجاً مِنْهُمْ أَيْ أَشْكَالًا وَأَشْبَاهًا مِنَ الْكُفَّارِ وَهِيَ مِنَ الْمُزَاوَجَةِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ الْمُشَاكَلَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَشْكَالٌ فِي الذَّهَابِ عَنِ الصَّوَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: أَصْنَافًا مِنْهُمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالزَّجَّاجُ: رِجَالًا مِنْهُمْ، أَمَّا قَوْلُهُ: زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَفِي انْتِصَابِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: عَلَى الذَّمِّ وَهُوَ النَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوْ عَلَى تَضْمِينِ مَتَّعْنَا مَعْنَى أَعْطَيْنَا وَكَوْنِهِ مَفْعُولًا ثَانِيًا لَهُ أَوْ عَلَى إِبْدَالِهِ مِنْ مَحَلِّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَوْ عَلَى إِبْدَالِهِ مِنْ أَزْوَاجًا عَلَى تَقْدِيرِ ذَوِي، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى الزَّهْرَةِ فِيمَنْ حَرَّكَ قُلْنَا مَعْنَى الزَّهْرَةِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الزِّينَةُ وَالْبَهْجَةُ كَمَا جَاءَ فِي الْجَهْرَةِ. قُرِئَ: أَرِنَا اللَّه جَهْرَةً، وَأَنْ يَكُونَ جَمْعُ زَاهِرٍ وَصْفًا لَهُمْ بِأَنَّهُمْ زَهْرَةُ هَذِهِ الدُّنْيَا لِصَفَاءِ أَلْوَانِهِمْ وَتَهَلُّلِ وُجُوهِهِمْ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ الصُّلَحَاءُ مِنْ شُحُوبِ الْأَلْوَانِ وَالتَّقَشُّفِ فِي الثِّيَابِ، أَمَّا قَوْلُهُ: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا. أَحَدُهَا: لِنُعَذِّبَهُمْ بِهِ كَقَوْلِهِ: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [التَّوْبَةِ: ٥٥] . وَثَانِيهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا:
إِضْلَالًا مِنِّي لَهُمْ. وَثَالِثُهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ تَشْدِيدًا فِي التَّكْلِيفِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنِ الدُّنْيَا عِنْدَ حُضُورِهَا وَالْإِقْبَالَ إِلَى اللَّه أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ حُضُورِهَا وَلِذَلِكَ كَانَ رُجُوعُ الْفُقَرَاءِ إِلَى خِدْمَةِ اللَّه تَعَالَى وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ تَضَرُّعِ الْأَغْنِيَاءِ، وَلِأَنَّ عَلَى مَنْ أوتي الدنيا ضروبا من التكاليف لَوْلَاهَا لَمَا لَزِمَتْهُمْ تِلْكَ التَّكَالِيفُ وَلِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْمَعَاصِي يَكُونُ الِاجْتِنَابُ عَنِ الْمَعَاصِي أَشَقَّ عَلَيْهِ مِنَ الْعَاجِزِ الْفَقِيرِ، فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الدُّنْيَا تَشْدِيدًا فِي التَّكْلِيفِ ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِهِ: وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَطْلُوبَكَ الَّذِي تَجِدُهُ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ مَطْلُوبِهِمْ وَأَبْقَى، لِأَنَّهُ يَدُومُ وَلَا يَنْقَطِعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ مَا أوتوه من مِنَ الدُّنْيَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا أُوتِيتَهُ مِنْ يَسِيرِ الدُّنْيَا إِذَا قَرَنْتَهُ بِالطَّاعَةِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حَيْثُ الْعَاقِبَةِ وَأَبْقَى، فَذَكَرَ الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا وَوَصَفَهُ بِحُسْنِ عَاقَبَتِهِ إِذَا رَضِيَ بِهِ وَصَبَرَ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا أُعْطِيَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَقَارِبِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ دِينِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ [مَرْيَمَ: ٥٥] وَإِنِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ يَضُمُّهُ الْمَسْكَنُ إِذِ التَّنْبِيهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْأَمْرُ بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا مُمْكِنٌ فِيهِمْ دُونَ سَائِرِ الْأُمَّةِ يَعْنَى كَمَا أَمَرْنَاكَ بِالصَّلَاةِ فَأْمُرْ أَنْتَ قَوْمَكَ بِهَا، أَمَّا قَوْلُهُ: وَاصْطَبِرْ عَلَيْها فَالْمُرَادُ كَمَا تَأْمُرُهُمْ فَحَافِظْ عَلَيْهَا فِعْلًا، فَإِنَّ الْوَعْظَ بِلِسَانِ الْفِعْلِ أَتَمُّ مِنْهُ بِلِسَانِ الْقَوْلِ،
وَكَانَ رَسُولُ اللَّه/ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ يَذْهَبُ إِلَى فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كُلَّ صَبَاحٍ وَيَقُولُ: «الصَّلَاةَ» وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَشْهُرًا،
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ لِمَنَافِعِهِمْ وَأَنَّهُ مُتَعَالٍ عَنِ الْمَنَافِعِ بِقَوْلِهِ: لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَفِيهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُرِيدُ مِنْهُ وَمِنْهُمُ الْعِبَادَةُ وَلَا يُرِيدُ مِنْهُ أَنْ يَرْزُقَهُ كَمَا تُرِيدُ السَّادَةُ مِنَ الْعَبِيدِ الْخَرَاجَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذَّارِيَاتِ: ٥٦، ٥٧] . وَثَانِيهَا: لَا نَسْئَلُكَ رِزْقاً لِنَفْسِكَ وَلَا لِأَهْلِكَ بَلْ نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَنَرْزُقُ أَهْلَكَ، فَفَرِّغْ بَالَكَ لِأَمْرِ الْآخِرَةِ، وَفِي معناه قول
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute