للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ يُوجَدُ النَّبْتُ فِي النَّارِ؟ الْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الضَّرِيعَ نَبْتٌ فِي النَّارِ يَأْكُلُونَهُ، وَلَكِنَّهُ ضَرْبٌ مِثْلُهُ، أَيْ أَنَّهُمْ يَقْتَاتُونَ بِمَا لَا يُشْبِعُهُمْ أَوْ يُعَذَّبُونَ بِالْجُوعِ كَمَا يُعَذَّبُ مَنْ قُوتُهُ الضَّرِيعُ الثَّانِي: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبْتَ يُوجَدُ فِي النَّارِ؟ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسْتَبْعَدْ بَقَاءُ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مَعَ كَوْنِهِ لَحْمًا وَدَمًا فِي النَّارِ أَبَدَ الْآبَادِ، فَكَذَا هاهنا وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَلَاسِلِ النَّارِ وَأَغْلَالِهَا وَعَقَارِبِهَا وحياتها. أما قوله تعالى:

[[سورة الغاشية (٨٨) : آية ٧]]

لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)

فَهُوَ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ أَوْ مَجْرُورُهُ عَلَى وَصْفِ طَعَامٍ أَوْ ضَرِيعٍ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا:

أَنَّ طَعَامَهُمْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَطَاعِمِ الْإِنْسِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّوْكِ وَالشَّوْكُ مِمَّا يَرْعَاهُ الْإِبِلُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِمَّا يَنْفِرُ عَنْهُ الْإِبِلُ، فَإِذَنْ مَنْفَعَتَا الْغِذَاءِ مُنْتَفِيَتَانِ عَنْهُ، وَهُمَا إِمَاطَةُ الْجُوعِ وَإِفَادَةُ الْقُوَّةِ وَالسِّمَنِ فِي الْبَدَنِ وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا طَعَامَ لَهُمْ أَصْلًا لِأَنَّ الضَّرِيعَ لَيْسَ بِطَعَامٍ لِلْبَهَائِمِ فَضْلًا عَنِ الْإِنْسِ لِأَنَّ الطَّعَامَ مَا أَشْبَعَ وَأَسْمَنَ وَهُوَ مِنْهُمَا بِمَعْزِلٍ، كَمَا تَقُولُ: لَيْسَ لِفُلَانٍ ظِلٌّ إِلَّا الشَّمْسَ تُرِيدُ نَفْيَ الظِّلِّ عَلَى التَّوْكِيدِ وَثَالِثُهَا: رُوِيَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالَتْ: إِنَّ الضَّرِيعَ لَتَسْمَنُ عَلَيْهِ إِبِلُنَا، فَنَزَلَتْ: لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَعَنَّتُوا بِذَلِكَ الْكَلَامِ كَذِبًا فَيُرَدُّ قَوْلُهُمْ بِنَفْيِ السِّمَنِ وَالشِّبَعِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْدُقُوا فَيَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ طَعَامَهُمْ مِنْ ضَرِيعٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ ضَرِيعِكُمْ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ ضَرِيعٍ غَيْرِ مُسْمِنٍ وَلَا مُغْنٍ مِنْ جُوعٍ، قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ فِي كُلِّ طَعَامِهِمْ أَنْ لَا يُغْنِيَ مِنْ جُوعٍ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْعٌ وَرَأْفَةٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي العقاب.

[[سورة الغاشية (٨٨) : آية ٨]]

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨)

اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ وَعِيدَ الْكُفَّارِ، أَتْبَعَهُ بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ، فَذَكَرَ وَصْفَ أَهْلِ الثَّوَابِ أَوَّلًا، ثُمَّ وَصَفَ دَارَ الثَّوَابِ ثَانِيًا أَمَّا وَصْفُ أَهْلِ الثَّوَابِ فَبِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: فِي ظَاهِرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ناعِمَةٌ أَيْ ذَاتُ بَهْجَةٍ وَحُسْنٍ، كَقَوْلِهِ: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين: ٢٤] أو متنعمة. / والثاني: في باطنهم وهو قوله تعالى:

[[سورة الغاشية (٨٨) : آية ٩]]

لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩)

وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ حَمِدُوا سَعْيَهُمْ وَاجْتِهَادَهُمْ فِي الْعَمَلِ لِلَّهِ. لِمَا فَازُوا بِسَبَبِهِ مِنَ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ كَالرَّجُلِ يَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُجْزَى عَلَيْهِ بِالْجَمِيلِ، وَيُظْهِرُ لَهُ مِنْهُ عَاقِبَةً مَحْمُودَةً فَيَقُولُ، مَا أَحْسَنَ مَا عَمِلْتُ، وَلَقَدْ وُفِّقْتُ لِلصَّوَابِ فِيمَا صَنَعْتُ فَيُثَنِي عَلَى عَمَلِ نَفْسِهِ وَيَرْضَاهُ وَالثَّانِي: الْمُرَادُ لِثَوَابِ سَعْيِهَا فِي الدُّنْيَا رَاضِيَةٌ إِذَا شَاهَدُوا ذَلِكَ الثَّوَابَ، وَهَذَا أَوْلَى إِذِ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي يُشَاهِدُونَهُ مِنَ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ يَبْلُغُ حَدَّ الرِّضَا حَتَّى لَا يُرِيدُوا أَكْثَرَ مِنْهُ، وَأَمَّا وَصْفُ دَارِ الثَّوَابِ، فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهَا بِأُمُورٍ سَبْعَةٍ: أحدها قوله:

[[سورة الغاشية (٨٨) : آية ١٠]]

فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>