للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٨]]

وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨)

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَطَّعْناهُمْ أَحَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ [الأعراف:

١٦٧] الْمُرَادُ جُمْلَةُ الْيَهُودِ، وَمَعْنَى قَطَّعْناهُمْ أَيْ فَرَّقْنَاهُمْ تَفْرِيقًا شَدِيدًا. فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: فِي الْأَرْضِ أُمَماً وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا أَرْضَ مَسْكُونَةً إِلَّا وَمِنْهُمْ فِيهَا أُمَّةٌ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْيَهُودِ، وَمَعْنَى قَطَّعْنَاهُمْ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ بَلَدٌ إِلَّا وَفِيهِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ.

ثُمَّ قَالَ: مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ قِيلَ الْمُرَادُ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: يُرِيدُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم وآمنوا به وَقَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ أَيْ وَمِنْهُمْ قَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ مَنْ أَقَامَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ مَنْ يَكُونُ صَالِحًا إِلَّا أَنَّ صَلَاحَهُ كَانَ دُونَ صَلَاحِ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ إِلَى الظَّاهِرِ أَقْرَبُ.

قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَنْ ثَبَتَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَخَرَجَ مِنَ الصَّلَاحِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ أَيْ عَامَلْنَاهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُبْتَلَى الْمُخْتَبَرِ بِالْحَسَنَاتِ، وَهِيَ النِّعَمُ وَالْخِصْبُ وَالْعَافِيَةُ، وَالسَّيِّئَاتُ هِيَ الْجَدْبُ وَالشَّدَائِدُ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ يَدْعُو إِلَى الطَّاعَةِ، أَمَّا النِّعَمُ فَلِأَجْلِ التَّرْغِيبِ، وَأَمَّا النِّقَمُ فَلِأَجْلِ التَّرْهِيبِ. وَقَوْلُهُ: يَرْجِعُونَ يريد كي يتوبوا.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٦٩ الى ١٧٠]

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠)

اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ مَمْدُوحٌ. وَالثَّانِي مَذْمُومٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِ الصَّالِحِينَ مِنْهُمُ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ خَلْفٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْخَلْفُ مَا أَخْلَفَ عَلَيْكَ مِمَّا أُخِذَ مِنْكَ، فَلِهَذَا السَّبَبِ يُقَالُ لِلْقَرْنِ الَّذِي يَجِيءُ فِي إِثْرِ قَرْنٍ خَلْفٌ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا خَلَفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: النَّاسُ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ خَلْفُ صِدْقٍ وَخَلْفُ سُوءٍ، وَخَلْفٌ لِلسُّوءِ لَا غَيْرُ. وَحَاصِلُ الْكَلَامِ:

أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ قَالَ الْخَلْفُ وَالْخَلَفُ قَدْ يُذْكَرُ فِي الصَّالِحِ وَفِي الرَّدِيءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْخَلْفُ مَخْصُوصٌ بِالذَّمِّ قَالَ لَبِيَدٌ.

وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>