للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة الضحى]

إحدى عشرة آية مكية وَأَنَا عَلَى عَزْمٍ أَنْ أَضُمَّ إِلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ مَا فِيهَا مِنَ اللَّطَائِفِ التِّذْكَارِيَّةِ.

[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢)

لِأَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ: وَالضُّحى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالضُّحَى وَقْتُ الضُّحَى وَهُوَ صَدْرُ النَّهَارِ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ وَتُلْقِي شُعَاعَهَا وَثَانِيهَا: الضُّحَى هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ اللَّيْلِ كُلِّهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى فَذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي سَجى ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ مُتَقَارِبَةٍ: سَكَنَ وَأَظْلَمَ وَغَطَّى أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ: سَجَى أَيْ سَكَنَ يُقَالُ: لَيْلَةٌ سَاجِيَةٌ أَيْ سَاكِنَةُ الرِّيحِ، وَعَيْنٌ سَاجِيَةٌ أَيْ فَاتِرَةُ الطَّرْفِ. وَسَجَى الْبَحْرُ إِذَا سَكَنَتْ أَمْوَاجُهُ، وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ:

يَا مَالِكَ الْبَحْرِ إِذَا الْبَحْرُ سَجَى وأما الثاني: وهو تفسير سجى بأظلم فَقَالَ الْفَرَّاءُ: سَجَى أَيْ أَظْلَمَ وَرَكَدَ فِي طُولِهِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ تَفْسِيرُ سَجَى بِغَطَّى، فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ سَجَى اللَّيْلُ تَغْطِيَتُهُ النَّهَارَ، مِثْلَ مَا يُسَجَّى الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غَطَّى الدُّنْيَا بِالظُّلْمَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أُلْبِسَ النَّاسُ ظَلَامَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ غَطَّى كُلَّ شَيْءٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: سَكَنَ بِالنَّاسِ وَلِسُكُونِهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: سُكُونُ النَّاسِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ كَمَا يُقَالُ لَيْلٌ نَائِمٌ وَنَهَارٌ صَائِمٌ وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ سُكُونَهُ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِقْرَارِ ظَلَامِهِ واستوائه فلا يزداد بعد ذلك، وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى فِي السُّورَةِ الْمَاضِيَةِ قَدَّمَ ذِكْرَ اللَّيْلِ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ أَخَّرَهُ؟ قُلْنَا:

فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الْمُكَلَّفِينَ، وَاللَّيْلُ لَهُ فَضِيلَةُ السَّبْقِ لِقَوْلِهِ: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الْأَنْعَامِ: ١] وَلِلنَّهَارِ فَضِيلَةُ النُّورِ، بَلِ اللَّيْلُ كَالدُّنْيَا وَالنَّهَارُ كَالْآخِرَةِ، فَلَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَضِيلَةٌ لَيْسَتْ لِلْآخَرِ، لَا جَرَمَ قُدِّمَ هَذَا عَلَى ذَاكَ تَارَةً وَذَاكَ، عَلَى هَذَا أُخْرَى، / وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ في

<<  <  ج: ص:  >  >>