للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقَلَ كَسْرَةَ اللَّامِ السَّاقِطَةِ إِلَيْهَا وَمَنْ فَتَحَهَا تَرَكَ الظَّاءَ عَلَى حَالِهَا وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي الْمُضَاعَفِ يَقُولُونَ: مَسْتُهُ وَمَسَسْتُهُ ثُمَّ قَالَ: لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً وَفِي قَوْلِهِ: لَنُحَرِّقَنَّهُ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْمُرَادُ إِحْرَاقُهُ بِالنَّارِ وَهَذَا أَحَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ لَحْمًا وَدَمًا، لِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يُمْكِنُ إِحْرَاقُهُ بِالنَّارِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَبْحِ الْعِجْلِ فَذُبِحَ فَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ أُحْرِقَ ثُمَّ نُسِفَ رَمَادُهُ وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَنَذْبَحَنَّهُ وَلَنُحَرِّقَنَّهُ وَثَانِيهِمَا لَنُحَرِّقَنَّهُ أَيْ لَنَبْرُدَنَّهُ بِالْمِبْرَدِ، يُقَالُ: حَرَقَهُ يَحْرُقُهُ إِذَا بَرَدَهُ وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقَلِبْ لَحْمًا وَلَا دَمًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُبَرَدَ بِالْمِبْرَدِ، وَيُمْكِنَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ صَارَ لَحْمًا فَذُبِحَ ثُمَّ بُرِدَتْ عِظَامُهُ بِالْمِبْرَدِ/ حَتَّى صَارَتْ بِحَيْثُ يُمْكِنُ نَسْفُهَا، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ لَنُحَرِّقَنَّهُ بِالنَّارِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ لَنَحْرُقَنَّهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الرَّاءِ خَفِيفَةً يَعْنِي لَنَبْرُدَنَّهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ إِبْطَالِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّ عَادَ إِلَى بَيَانِ الدِّينِ الْحَقِّ فَقَالَ: إِنَّما إِلهُكُمُ أَيِ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّعْظِيمِ: اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْلَمُ من يعبده ومن لا يعبده.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٩ الى ١٠٤]

كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣)

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً] اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا شَرَحَ قِصَّةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ فِرْعَوْنَ أَوَّلًا ثُمَّ مَعَ السَّامِرِيِّ ثَانِيًا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ سَائِرِ أَخْبَارِ الْأُمَمِ وَأَحْوَالِهِمْ تَكْثِيرًا لِشَأْنِكَ وَزِيَادَةً فِي مُعْجِزَاتِكَ وَلِيَكْثُرَ الِاعْتِبَارُ وَالِاسْتِبْصَارُ لِلْمُكَلَّفِينَ بِهَا فِي الدِّينِ: وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً يَعْنِي الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ [الْأَنْبِيَاءِ: ٥٠] وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ [الزُّخْرُفِ: ٤٤] وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص: ١] مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ [الأنبياء: ٢] يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ [الْحِجْرِ: ٦] ثُمَّ فِي تَسْمِيَةِ الْقُرْآنِ بِالذِّكْرِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ كِتَابٌ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ يَذْكُرُ أَنْوَاعَ آلَاءِ اللَّه تَعَالَى وَنَعْمَائِهِ فَفِيهِ التَّذْكِيرُ وَالْمَوَاعِظُ. وَثَالِثُهَا: فِيهِ الذِّكْرُ وَالشَّرَفُ لَكَ وَلِقَوْمِكَ عَلَى مَا قَالَ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزُّخْرُفِ: ٤٤] ، [في قوله تعالى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ إلى قوله يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ] وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى سَمَّى كُلَّ كُتُبِهِ ذكرا فقال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل: ٤٣] وَكَمَا بَيَّنَ نِعْمَتَهُ بِذَلِكَ بَيَّنَ شِدَّةَ الْوَعِيدِ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا وَالْوِزْرُ هُوَ الْعُقُوبَةُ الثَّقِيلَةُ سَمَّاهَا وِزْرًا تَشْبِيهًا فِي ثِقَلِهَا/ عَلَى الْمُعَاقَبِ وَصُعُوبَةِ احْتِمَالِهَا الَّذِي يَثْقُلُ عَلَى الْحَامِلِ وَيُنْقِضُ ظَهْرَهُ أَوْ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْوِزْرِ وَهُوَ الْإِثْمُ وَقُرِئَ يُحَمَّلُ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى صِفَةَ ذَلِكَ الْوِزْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ مُخَلَّدًا مُؤَبَّدًا. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا أَيْ وَمَا أَسْوَأَ هَذَا الْوِزْرَ حِمْلًا أَيْ مَحْمُولًا وَحِمْلًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَثَانِيهَا: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَالْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>