للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا أَنْ يَصِفَهُ بِأَنَّهُ مَجِيدٌ، ثُمَّ قَالُوا: إِنَّ مَجْدَ اللَّهِ عَظَمَتُهُ بِحَسَبِ الْوُجُوبِ الذَّاتِيِّ وَكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ، وَعَظَمَةَ الْعَرْشِ عُلُوُّهُ فِي الْجِهَةِ وَعَظَمَةُ مِقْدَارِهِ وَحُسْنُ صُورَتِهِ وَتَرْكِيبِهِ، فَإِنَّهُ قِيلَ: الْعَرْشُ أَحْسَنُ الْأَجْسَامِ تَرْكِيبًا وَصُورَةً وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَعَّالٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ قَالَ: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ خَبَرَانِ لِمُبْتَدَأٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِسْنَادِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعَهَا أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ الْخَبَرُ وَاحِدَ الْآخَرِينَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ لَا وَاحِدَ قَبْلَ قَضِيَّتَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ فَقَالُوا: لَا شَكَّ أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْإِيمَانَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِلْإِيمَانِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ وَإِذَا كَانَ فَاعِلًا لِلْإِيمَانِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِلْكُفْرِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ طَاعَةِ الْخَلْقِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقَعَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا مَا إِذَا وَقَعَ كَانَ فِعْلُهُ دُونَ مَا إِذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا لَهُ هَذِهِ أَلْفَاظُ الْقَاضِي وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهَا.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ عَلَيْهِ شَيْءٌ الْبَتَّةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يُعْطِيَ الثَّوَابَ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ الْقَفَّالُ: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ عَلَى مَا يَرَاهُ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ مُعْتَرِضٌ وَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، فَهُوَ يُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهُ الْجَنَّةَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ مَانِعٌ، وَيُدْخِلُ أَعْدَاءَهُ النَّارَ لَا يَنْصُرُهُمْ مِنْهُ نَاصِرٌ، وَيُمْهِلُ الْعُصَاةَ عَلَى مَا يَشَاءُ إلى أن يجازيهم ويعاجل بعضهم العقوبة إِذَا شَاءَ وَيُعَذِّبُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ/ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ يَفْعَلُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ومن غيرهما ما يريد.

[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٧ الى ٢٢]

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)

فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)

[قَوْلُهُ تَعَالَى هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ إلى قوله وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حَالَ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ فِي تَأَذِّي الْمُؤْمِنِينَ بِالْكُفَّارِ، بَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ كَانُوا أَيْضًا كَذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَدَلٌ مِنَ الْجُنُودِ، وَأَرَادَ بِفِرْعَوْنَ إِيَّاهُ وَقَوْمَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ [يونس: ٨٣] وَثَمُودُ، كَانُوا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَقِصَّتُهُمْ عِنْدَهُمْ مَشْهُورَةٌ فَذَكَرَ تَعَالَى مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِرْعَوْنَ، وَمِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ ثَمُودَ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ الْكُفَّارِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى هَذَا النَّهْجِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَلَمَّا طَيَّبَ قَلْبَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحِكَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>