أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ
عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ هَالِكٌ. وَقَالَ صَاحِبُ «النَّظْمِ» (أَنْ) هَاهُنَا زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَآخِرُ دَعْوَاهُمُ الْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَرَأَ بعضهم أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بالتشديد، ونصب الحمد.
[[سورة يونس (١٠) : آية ١١]]
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّ ابْتِدَاءَ هَذِهِ السُّورَةِ فِي ذِكْرِ شُبُهَاتِ الْمُنْكِرِينَ لِلنُّبُوَّةِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا.
فَالشُّبْهَةُ الْأُولَى: أَنَّ الْقَوْمَ تَعَجَّبُوا مِنْ تَخْصِيصِ اللَّه تَعَالَى مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالنُّبُوَّةِ فَأَزَالَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ التَّعَجُّبَ بِقَوْلِهِ: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ [يُونُسَ: ٢] ثُمَّ ذَكَرَ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَدَلَائِلَ صِحَّةِ الْمَعَادِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنِّي مَا جِئْتُكُمْ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَارِ بِالْمَعَادِ، وَقَدْ دَلَّلْتُ عَلَى صِحَّتِهَا، فَلَمْ يَبْقَ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ نُبُوَّتِي مَعْنًى.
وَالشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: لِلْقَوْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَبَدًا يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فِي ادِّعَاءِ الرِّسَالَةِ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. فَأَجَابَ اللَّه تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ وُجُوهًا أُخْرَى: فَالْأَوَّلُ: قَالَ الْقَاضِي: لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فِيمَا تَقَدَّمَ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ أَتْبَعَهُ بِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مِنْ حَقِّهِمَا أَنْ يَتَأَخَّرَا عَنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِأَنَّ حُصُولَهُمَا فِي الدُّنْيَا كَالْمَانِعِ مِنْ بَقَاءِ التَّكْلِيفِ. وَالثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْكُفَّارَ بِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَ اللَّه وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا/ وَاطْمَأَنُّوا بِهَا، وَكَانُوا عَنْ آيَاتِ اللَّه غَافِلِينَ بَيَّنَ أَنَّ مِنْ غَفْلَتِهِمْ أَنَّ الرَّسُولَ مَتَى أَنْذَرَهُمُ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ جَهْلًا مِنْهُمْ وَسَفَهًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَتَى خُوِّفُوا بِنُزُولِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا اسْتَعْجَلُوا ذَلِكَ الْعَذَابَ كَمَا قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَالِ: ٣٢] وَقَالَ تَعَالَى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ [الْمَعَارِجِ: ١] الْآيَةَ. ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمَّا تُوُعِّدُوا بِعَذَابِ الْآخِرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: ٨] اسْتَعْجَلُوا ذَلِكَ الْعَذَابَ، وَقَالُوا: مَتَى يَحْصُلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها [الشُّورَى: ١٨] وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إِلَى قَوْلِهِ: آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ [يُونُسَ: ٤٨- ٥١] وَقَالَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [الرَّعْدِ: ٦] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا مَصْلَحَةَ لَهُمْ فِي تَعْجِيلِ إِيصَالِ الشَّرِّ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَوْصَلَ ذَلِكَ الْعِقَابَ إِلَيْهِمْ لَمَاتُوا وَهَلَكُوا، لِأَنَّ تَرْكِيبَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَلَا صَلَاحَ فِي إِمَاتَتِهِمْ، فَرُبَّمَا آمَنُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا خَرَجَ مِنْ صُلْبِهِمْ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُعَاجِلَهُمْ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الشَّرِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي لَفْظِ الْآيَةِ إشكال، وهو أن يقال: كيف قابل التعجيل بِالِاسْتِعْجَالِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute