وَثَانِيهَا: قَالَ الزَّجَّاجُ أَيْ ذَاتُ لَذَّةٍ فَعَلَى هَذَا حُذِفَ الْمُضَافُ وَثَالِثُهَا: قَالَ اللَّيْثُ: اللَّذُّ وَاللَّذِيذُ يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا فِي النَّعْتِ وَيُقَالُ شَرَابٌ لَذٌّ وَلَذِيذٌ قَالَ تَعَالَى: بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وقال تعالى: مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [مُحَمَّدٍ: ١٥] وَلِذَلِكَ سُمِّيَ النَّوْمُ لَذًّا لِاسْتِلْذَاذِهِ، وَعَلَى هَذَا لَذَّةٍ بِمَعْنَى لَذِيذَةٍ، وَالْأَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الوجوه الأول.
ثم قال تعالى: لَا فِيها غَوْلٌ وَفِيهِ أَبْحَاثٌ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تَقُولُ لَيْسَ فِيهَا غِيلَةٌ وَغَائِلَةٌ وَغَوْلٌ سَوَاءً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْغَوْلُ أَنْ يُغْتَالَ عُقُولُهُمْ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ مُطِيعِ بْنِ إِيَاسٍ:
وَمَا زَالَتِ الْكَأْسَ تَغْتَالُهُمْ ... وَتَذْهَبُ بِالْأَوَّلِ الْأَوَّلِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: الْغَوْلُ الصُّدَاعُ وَالْمَعْنَى لَيْسَ فِيهَا صُدَاعٌ كَمَا فِي خَمْرِ الدُّنْيَا، قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَقِيقَتُهُ الْإِهْلَاكُ، يُقَالُ غَالَهُ غَوْلًا أَيْ أَهْلَكَهُ، وَالْغُولُ وَالْغَائِلُ الْمُهْلِكُ، ثُمَّ سُمِّيَ الصُّدَاعُ غَوْلًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ وَقُرِئَ بِكَسْرِ الزَّايِ قَالَ الْفَرَّاءُ مَنْ كَسَرَ الزَّايَ فَلَهُ مَعْنَيَانِ يُقَالُ أَنْزَفَ الرَّجُلُ إِذَا نَفِدَتْ خَمْرَتُهُ، وَأَنْزَفَ إِذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنَ السُّكْرِ وَمَنْ فَتَحَ الزَّايَ فَمَعْنَاهُ/ لَا يَذْهَبُ عُقُولُهُمْ أَيْ لَا يَسْكَرُونَ يُقَالُ نَزَفَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَنْزُوفٌ وَنَزِيفٌ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ فِيهَا قَطُّ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ الَّتِي تَكُونُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ صُدَاعٍ أَوْ خُمَارٍ أَوْ عَرْبَدَةٍ وَلَا هُمْ يَسْكَرُونَ أَيْضًا، وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى صِفَةَ مَشْرُوبِهِمْ ذَكَرَ عَقِيبَهُ صِفَةَ مَنْكُوحِهِمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ وَمَعْنَى الْقَصْرِ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ [الرَّحْمَنِ:
٧٢] وَالْمَعْنَى أَنَّهُنَّ يَحْبِسْنَ نَظَرَهُنَّ وَلَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: عِينٌ قَالَ الزَّجَّاجُ: كِبَارُ الْأَعْيُنِ حِسَانُهَا وَاحِدُهَا عَيْنَاءُ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ الْمَكْنُونُ فِي اللُّغَةِ الْمَسْتُورُ يُقَالُ كَنَنْتُ الشَّيْءَ وَأَكْنَنْتُهُ، وَمَعْنَى هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْبَيْضِ بَيَاضٌ يَشُوبُهُ قَلِيلٌ مِنَ الصُّفْرَةِ، فَإِذَا كَانَ مَكْنُونًا كَانَ مَصُونًا عَنِ الْغَبَرَةِ وَالْقَتَرَةِ، فَكَانَ هَذَا اللَّوْنُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْعَرَبُ كَانُوا يُسَمُّونَ النِّسَاءَ بَيْضَاتُ الْخُدُورِ.
وَلَمَّا تَمَّمَ اللَّهُ صِفَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ فَإِنْ قِيلَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ عُطِفَ قَوْلُهُ: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ؟ قُلْنَا عَلَى قَوْلِهِ: يُطافُ عَلَيْهِمْ وَالْمَعْنَى يَشْرَبُونَ وَيَتَحَادَثُونَ عَلَى الشَّرَابِ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا بَقِيَتْ مِنَ اللَّذَّاتِ إِلَّا ... مُحَادَثَةُ الْكِرَامِ عَلَى الْمُدَامِ
وَالْمَعْنَى فَيُقْبِلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ عَمَّا جَرَى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٥١ الى ٦١]
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥)
قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠)
لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١)