للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحقيقة، وَالْمَالُ وَالْجَاهُ لَيْسَا كَذَلِكَ وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ مِنَ الْكِمَالَاتِ الْحَاصِلَةِ لِجَوْهَرِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَالْمَالُ وَالْجَاهُ أَمْرَانِ مُنْفَصِلَانِ عَنْ ذَاتِ الْإِنْسَانِ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ لَا يُمْكِنُ سَلْبُهُمَا عَنِ الْإِنْسَانِ، وَالْمَالُ وَالْجَاهُ يُمْكِنُ سَلْبُهُمَا عَنِ الْإِنْسَانِ وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْعِلْمَ بِأَمْرِ الْحُرُوبِ، وَالْقَوِيَّ الشَّدِيدَ عَلَى الْمُحَارَبَةِ يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي حِفْظِ مَصْلَحَةِ الْبَلَدِ، وَفِي دَفْعِ شَرِّ الْأَعْدَاءِ أَتَمَّ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالرَّجُلِ النَّسِيبِ الْغَنِيِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِضَبْطِ الْمَصَالِحِ، وَقُدْرَةٌ عَلَى دَفْعِ الْأَعْدَاءِ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إِسْنَادَ الْمُلْكِ إِلَى الْعَالِمِ الْقَادِرِ، أَوْلَى مِنْ إسناده إلى النسيب الغني ثم هاهنا مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَعْمَالِ بِقَوْلِهِ: وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُلُومَ الْحَاصِلَةَ لِلْخَلْقِ، إِنَّمَا حَصَلَتْ بِتَخْلِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَادِهِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ هَذِهِ الْإِضَافَةُ إِنَّمَا كَانَتْ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُعْطِي الْعَقْلَ وَنَصَبَ الدَّلَائِلَ، وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِضَافَةِ الْمُبَاشَرَةُ دُونَ التَّسَبُّبِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْبَسْطَةِ فِي الْجِسْمِ طُولُ الْقَامَةِ، وَكَانَ يَفُوقُ النَّاسَ بِرَأْسِهِ وَمَنْكِبِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ طَالُوتَ لِطُولِهِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنَ الْبَسْطَةِ فِي الْجِسْمِ الْجَمَالُ، وَكَانَ أَجْمَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْقُوَّةُ، وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ فِي دَفْعِ الْأَعْدَاءِ هُوَ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ، لَا الطُّولُ وَالْجَمَالُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ الْبَسْطَةَ فِي الْعِلْمِ، عَلَى الْبَسْطَةِ فِي الْجِسْمِ، وَهَذَا مِنْهُ تَعَالَى تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْفَضَائِلَ النَّفْسَانِيَّةَ أَعْلَى وَأَشْرَفُ وَأَكْمَلُ مِنَ الْفَضَائِلِ الْجِسْمَانِيَّةِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الْجَوَابِ عَنِ الشُّبْهَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَالْعَبِيدَ لِلَّهِ فَهُوَ سُبْحَانُهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ، لِأَنَّ الْمَالِكَ إِذَا تَصَرَّفَ فِي مُلْكِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي الْجَوَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى وَاسِعُ الْفَضْلِ وَالرِّزْقِ وَالرَّحْمَةِ، وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْتُمْ طَعَنْتُمْ فِي طَالُوتَ بِكَوْنِهِ فَقِيرًا، وَاللَّهُ تَعَالَى وَاسِعُ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ، فَإِذَا فَوَّضَ الْمُلْكَ إِلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُلْكَ لَا يَتَمَشَّى إِلَّا بِالْمَالِ، فَاللَّهُ تَعَالَى يَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الرِّزْقِ وَالسَّعَةِ فِي الْمَالِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَاسِعٌ، بِمَعْنَى مُوَسِّعٌ، أَيْ يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ نِعَمِهِ، وَتَعَلُّقُهُ بِمَا/ قَبْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَاسِعٌ بِمَعْنَى ذُو سَعَةٍ، وَيَجِيءُ فَاعِلٌ وَمَعْنَاهُ ذُو كَذَا، كَقَوْلِهِ: عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الْحَاقَّةِ: ٢١] أَيْ ذَاتِ رِضًا، وَهَمٌّ نَاصِبٌ ذُو نَصَبٍ، ثُمَّ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: عَلِيمٌ أَنَّهُ تَعَالَى مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إِغْنَاءِ الْفَقِيرِ عَالِمٌ بِمَقَادِيرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي تَدْبِيرِ الْمُلْكِ، وَعَالِمٌ بِحَالِ ذَلِكَ الْمُلْكِ فِي الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، فَيَخْتَارُ لِعِلْمِهِ بِجَمِيعِ الْعَوَاقِبِ مَا هُوَ مَصْلَحَتُهُ فِي قِيَامِهِ بأمر الملك.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٨ الى ٢٤٩]

وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لَا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)