للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلِاسْتِفْهَامِ وَاقِعَةٌ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ وَالْهَمْزَةُ أَخَذَتْ مَكَانَهَا وَهُوَ الصَّدْرُ، وَأَمْ دَخَلَتْ عَلَى الْقُلُوبِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْكَلَامِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ عَلى قُلُوبٍ عَلَى التَّنْكِيرِ مَا الْفَائِدَةُ فِيهِ؟ نَقُولُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى كَوْنِهِ مَوْصُوفًا لِأَنَّ النَّكِرَةَ بِالْوَصْفِ أَوْلَى مِنَ الْمَعْرِفَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ قَاسِيَةٍ أَوْ مُظْلِمَةٍ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ كَأَنَّهُ قَالَ أَمْ عَلَى بَعْضِ الْقُلُوبِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ لَا تَعُمُّ، تَقُولُ جَاءَنِي رِجَالٌ فَيُفْهَمُ الْبَعْضُ وَجَاءَنِي الرِّجَالُ فَيُفْهَمُ الْكُلُّ، وَنَحْنُ نَقُولُ التَّنْكِيرُ لِلْقُلُوبِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْإِنْكَارِ الَّذِي فِي الْقُلُوبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا كَانَ عَارِفًا كَانَ/ مَعْرُوفًا لِأَنَّ الْقَلْبَ خُلِقَ لِلْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ الْمَعْرِفَةُ فَكَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِي الْإِنْسَانِ الْمُؤْذِي: هَذَا لَيْسَ بِإِنْسَانٍ هَذَا سَبُعٌ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ هَذَا لَيْسَ بِقَلْبٍ هَذَا حَجَرٌ.

إِذَا عُلِمَ هَذَا فَالتَّعْرِيفُ إِمَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِمَّا بِالْإِضَافَةِ، وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إِرَادَةُ الْجِنْسِ إِذْ لَيْسَ عَلَى قَلْبٍ قُفْلٌ، وَلَا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَلْبَ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَهُ قَلْبٌ، وَإِمَّا بِالْإِضَافَةِ بِأَنْ نَقُولَ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا وَهِيَ لِعَدَمِ عَوْدِ فَائِدَةٍ إِلَيْهِمْ، كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [الْبَقَرَةِ: ٧] وَقَالَ: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ [الزُّمَرِ: ٢٢] فَنَقُولُ الْأَقْفَالُ أَبْلَغُ مِنَ الْخَتْمِ فَتَرَكَ الْإِضَافَةَ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ رَأْسًا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلِهِ أَقْفالُها بِالْإِضَافَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَقْفَالٌ كَمَا قَالَ: قُلُوبٍ لِأَنَّ الْأَقْفَالَ كَانَتْ مِنْ شَأْنِهَا فَأَضَافَهَا إِلَيْهَا كَأَنَّهَا لَيْسَتْ إِلَّا لَهَا، وَفِي الْجُمْلَةِ لَمْ يُضِفِ الْقُلُوبَ إِلَيْهِمْ لِعَدَمِ نَفْعِهَا إِيَّاهُمْ وَأَضَافَ الْأَقْفَالَ إِلَيْهَا لِكَوْنِهَا مُنَاسِبَةً لَهَا، وَنَقُولُ أَرَادَ بِهِ أَقْفَالًا مَخْصُوصَةً هِيَ أَقْفَالُ الكفر والعناد ثم قال تعالى:

[[سورة محمد (٤٧) : آية ٢٥]]

إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥)

إشارة إلى أهل الكتاب الذين تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فِي التَّوْرَاةِ بِنَعْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْثِهِ وَارْتَدُّوا، أَوْ إِلَى كُلِّ مَنْ ظَهَرَتْ لَهُ الدَّلَائِلُ وَسَمِعَهَا وَلَمْ يُؤْمِنْ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مَنَعَهُمْ حُبُّ الرِّيَاسَةِ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ سَهَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ يَعْنِي قَالُوا نَعِيشُ أَيَّامًا ثُمَّ نُؤْمِنُ بِهِ، وَقُرِئَ وَأَمْلَى لَهُمْ فَإِنْ قِيلَ الْإِمْلَاءُ وَالْإِمْهَالُ وَحَدُّ الْآجَالِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ وَأَمْلى لَهُمْ فَإِنَّ الْمُمْلِيَ حِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ الشَّيْطَانَ نَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَأَمْلى لَهُمْ اللَّهُ فَيَقِفُ عَلَى سَوَّلَ لَهُمْ وَثَانِيهَا: هُوَ أَنَّ الْمُسَوِّلَ أَيْضًا لَيْسَ هُوَ الشَّيْطَانَ، وَإِنَّمَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ عَلَى يَدِهِ وَلِسَانِهِ ذَلِكَ، فَذَلِكَ الشَّيْطَانُ يُمْلِيهِمْ وَيَقُولُ لَهُمْ فِي آجَالِكُمْ فُسْحَةٌ فَتَمَتَّعُوا بِرِيَاسَتِكُمْ ثُمَّ فِي آخِرِ الْأَمْرِ تُؤْمِنُونَ، وَقُرِئَ وَأُمْلِي لَهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ثم قال تعالى:

[[سورة محمد (٤٧) : آية ٢٦]]

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦)

قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِمْلَاءِ، أَيْ ذَلِكَ الْإِمْلَاءُ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْوَاحِدِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ ذلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّسْوِيلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ الِارْتِدَادُ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا سَنُطِيعُكُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّا نُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ هُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: نُوَافِقُكُمْ عَلَى أَنَّ محمدا ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>