للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُحْمَلُ الْمُجْمَلُ عَلَى الْمُفَسَّرِ لِأَنَّ كِلْتَا الْآيَتَيْنِ وَرَدَتَا فِي الْإِنْفَاقِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقْتَصِرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى التَّحْدِيدِ، بَلْ قَالَ بَعْدَهُ: وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ [الْبَقَرَةِ: ٢٦١] .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتِيَارُ السُّدِّيِّ: أَنَّ هَذَا التَّضْعِيفَ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا هُوَ وَكَمْ هُوَ؟ وَإِنَّمَا أَبْهَمَ تَعَالَى ذَلِكَ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُبْهَمِ فِي بَابِ التَّرْغِيبِ أَقْوَى مِنْ ذِكْرِ الْمَحْدُودِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ فَفِي بَيَانِ أَنَّ هَذَا كَيْفَ يُنَاسِبُ مَا تَقَدَّمَ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: / أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ هُوَ الْقَابِضَ الْبَاسِطَ، فَإِنْ كَانَ تَقْدِيرُ هَذَا الَّذِي أُمِرَ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ الْفَقْرَ فَلْيُنْفِقِ الْمَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ سَوَاءٌ أَنَفَقَ أَوْ لَمْ يُنْفِقْ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْفَقْرُ، وَإِنْ كَانَ تَقْدِيرُهُ الْغِنَى فَلْيُنْفِقْ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ أَنَفَقَ أَوْ لَمْ يُنْفِقْ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْغِنَى وَالسَّعَةُ وَبَسْطُ الْيَدِ، فَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْلَى وَثَانِيهَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَبْضَ وَالْبَسْطَ بِاللَّهِ انْقَطَعَ نَظَرُهُ عَنْ مَالِ الدُّنْيَا، وَبَقِيَ اعْتِمَادُهُ عَلَى اللَّهِ، فَحِينَئِذٍ يَسْهُلُ عَلَيْهِ إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى يُوَسِّعُ عَنْ عِبَادِهِ وَيَقْتُرُ، فَلَا تَبْخَلُوا عَلَيْهِ بِمَا وَسَّعَ عَلَيْكُمْ، لِئَلَّا يُبَدِّلَ السَّعَةَ الْحَاصِلَةَ لَكُمْ بِالضِّيقِ وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَحَثَّهُمْ عَلَيْهَا أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ وإعانته، فقال: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ يَعْنِي يَقْبِضُ الْقُلُوبَ حَتَّى لَا تُقْدِمَ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَةِ، وَيَبْسُطُ بَعْضَهَا حَتَّى يُقْدِمَ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَالْمُرَادُ بِهِ إِلَى حَيْثُ لَا حَاكِمَ وَلَا مُدَبِّرَ سواه، والله أعلم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٦]]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦)

[القصة الثانية قصة طالوت]

الْمَلَأُ الْأَشْرَافُ مِنَ النَّاسِ، وَهُوَ اسْمُ الْجَمَاعَةِ، كَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَالْجَيْشِ، وَجَمْعُهُ أَمْلَاءٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَقَالَ لَهَا الْأَمْلَاءُ مِنْ كُلِّ مَعْشَرٍ ... وَخَيْرُ أَقَاوِيلِ الرِّجَالِ سَدِيدُهَا

وَأَصْلُهَا مِنَ الْمَلْءِ، وَهُمُ الذين يملؤون العيون هيبة ورواء، وقيل: هم الذين يملؤون الْمَكَانَ إِذَا حَضَرُوا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَلَأُ الرُّؤَسَاءُ، سموا بذلك لأنهم يملؤون الْقُلُوبَ بِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَلَأَ الرجل يملأ ملأة فهو ملئ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَعَلُّقُ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا فَرَضَ الْقِتَالَ بِقَوْلِهِ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٤٤] ثُمَّ أَمَرَنَا بِالْإِنْفَاقِ فِيهِ لِمَا لَهُ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي كَمَالِ الْمُرَادِ بِالْقِتَالِ ذَكَرَ قِصَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ،