للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً

[الْفُرْقَانِ: ٣٠] وقوله تعالى: قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ فَالتَّكْرِيرُ لِأَجْلِ التأكيد والمبالغة في نفي الظلم.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]

وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩)

اعلم أن هذه الشُّبْهَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ شُبُهَاتِ مُنْكِرِي النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّمَا هَدَّدَهُمْ بِنُزُولِ الْعَذَابِ وَمَرَّ زَمَانٌ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ الْعَذَابُ، قَالُوا مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَاحْتَجُّوا بِعَدَمِ ظهوره على القدح في نوبته عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قوله:

قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [يونس: ٤٧] الْقَضَاءُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولُوا مَتَى هَذَا الْوَعْدُ عِنْدَ حُضُورِهِمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ الْحَالَ فِي الْآخِرَةِ حَالُ يَقِينٍ وَمَعْرِفَةٍ لِحُصُولِ كُلِّ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّكْذِيبِ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ لِلْأَعْدَاءِ وَالنُّصْرَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْعَادِ لِكَوْنِهِ مُحِقًّا فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارِ، وَيَدُلُّ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ قَالَتْ لِرَسُولِهَا مِثْلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَذَلِكَ لَفْظُ جَمْعٍ وهو موافق لقوله: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ [يونس: ٤٧] ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِأَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِجَوَابٍ يَحْسِمُ الْمَادَّةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ إِنْزَالَ الْعَذَابِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَإِظْهَارَ النُّصْرَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّه سُبْحَانَهُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى مَا عَيَّنَ لِذَلِكَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَقْتًا مُعَيَّنًا حَتَّى يُقَالَ: لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْمَوْعُودُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، دَلَّ عَلَى حُصُولِ الْخُلْفِ فَكَانَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ مُفَوَّضًا إِلَى اللَّه سُبْحَانَهُ، إِمَّا بِحَسَبِ مَشِيئَتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يُعَلِّلُ أَفْعَالَهُ وَأَحْكَامَهُ بِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَإِمَّا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ الْمُقَدَّرَةِ عِنْدَ مَنْ يُعَلِّلُ أَفْعَالَهُ وَأَحْكَامَهُ بِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، ثُمَّ إِذَا حَضَرَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَّتَهُ اللَّه تَعَالَى لِحُدُوثِ ذَلِكَ الْحَادِثِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَحْدُثَ فِيهِ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ فَقَالُوا: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ، فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ مُسْتَقِلًّا بهما.

والجواب: قال أصحابنا: هذا الاستثناء مُنْقَطِعٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَكِنْ مَا شَاءَ اللَّه مِنْ ذَلِكَ كَائِنٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَرَأَ ابْنُ سِيرِينَ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَمُوتُ إِلَّا بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَقْتُولُ لَا يُقْتَلُ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.

المسألة الخامسة: أنه تعالى قال هاهنا: إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فَقَوْلُهُ: إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ شَرْطٌ وَقَوْلُهُ: فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ جَزَاءٌ وَالْفَاءُ حَرْفُ الْجَزَاءِ، فَوَجَبَ إِدْخَالُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>