للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْقِفَ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ السَّحَرَةِ خَاصَّةً، أَوْ مِنْ رَعِيَّةِ فِرْعَوْنَ أَوْ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَقُرِئَ (إِنْ كُنَّا) بِالْكَسْرِ، وَهُوَ مِنَ الشرط الذي يجيء به المدل [بأمره لصحته وهم كانوا متحققين أنهم أول المؤمنين] «١» ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ (الْقَائِلِ) «٢» لِمَنْ يُؤَخِّرُ جُعْلَهُ: إِنْ كنت عملت لك فوفني حقي.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٥٢ الى ٦٢]

وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦)

فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١)

قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)

قُرِئَ أَسْرِ بقطع الهمزة ووصلها وسر. لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْآيَةِ، أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِأَنْ يَخْرُجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَانَ فِي الْمَعْلُومِ مِنْ تَدْبِيرِ اللَّه تَعَالَى فِي مُوسَى وَتَخْلِيصِهِ مِنَ الْقَوْمِ وَتَمْلِيكِهِ بِلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَمْ يَأْمَنْ وَقَدْ جَرَتْ تِلْكَ الْغَلَبَةُ الظَّاهِرَةُ أَنْ يَقَعَ مِنْ فِرْعَوْنَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَا يُؤَدِّي إِلَى الِاسْتِئْصَالِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَسْرِيَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، / وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا مِنْ قَوْمِ مُوسَى، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَهُوَ أَنَّهُ أَسْرَى بِهِمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّ قَوْمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالُوا لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عِيدًا، ثُمَّ اسْتَعَارُوا مِنْهُمْ حُلِيَّهُمْ وَحُلَلَهُمْ بِهَذَا السَّبَبِ، ثُمَّ خَرَجُوا بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ فِي اللَّيْلِ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ فِرْعَوْنُ أَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، ثُمَّ إِنَّهُ قَوَّى نَفْسَهُ وَنَفْسَ أَصْحَابِهِ بِأَنْ وَصَفَ قَوْمَ مُوسَى بِوَصْفَيْنِ مِنْ أَوْصَافِ الذَّمِّ، وَوَصَفَ قَوْمَ نَفْسِهِ بِصِفَةِ الْمَدْحِ أَمَّا وَصْفُ قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالذَّمِّ.

فَالصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَالشِّرْذِمَةُ الطَّائِفَةُ الْقَلِيلَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ شَرَاذِمُ لِلَّذِي بَلِيَ، وَتَقَطَّعَ قِطَعًا ذَكَرَهُمْ بِالِاسْمِ الدَّالِّ عَلَى الْقِلَّةِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَلِيلًا بِالْوَصْفِ، ثُمَّ جَمَعَ الْقَلِيلَ فَجَعَلَ كُلَّ حِزْبٍ مِنْهُمْ قَلِيلًا وَاخْتَارَ جَمْعَ السَّلَامَةِ الذي هو للقلة [وقد يجمع القليل على أقلة وقلل] «٣» ، ويجوز أن يريد


(١) زيادة من الكشاف ٣/ ١١٣ ط. دار الفكر.
(٢) في الكشاف (العامل) .
(٣) زيادة من الكشاف ٣/ ١١٤ ط. دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>