للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِلْكَ الْهَيْبَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. الْعَاشِرُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي فَضْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ،

وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» فَلَقِيَهُ عُمَرُ/ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ:

هَنِيئًا لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى آمَنَهُ مِنْ مَكْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَمَرَهُ بِإِظْهَارِ التَّبْلِيغِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ مِنْهُ بِهِمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِكَثِيرٍ وَمَا بَعْدَهَا بِكَثِيرٍ لَمَّا كَانَ كَلَامًا مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى امْتَنَعَ إِلْقَاءُ هَذِهِ الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْبَيْنِ عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي قَوْلِهِ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ؟

وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ يَعْصِمُهُ مِنَ الْقَتْلِ، وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَمِلَ كُلَّ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، فَمَا أَشَدَّ تَكْلِيفَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ! وَثَانِيهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ يَوْمِ أُحُدٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّاسِ هاهنا الْكُفَّارُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.

وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُمَكِّنُهُمْ مِمَّا يُرِيدُونَ.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْرُسُهُ سَعْدٌ وَحُذَيْفَةُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ قُبَّةِ أَدَمٍ وَقَالَ: «انْصَرِفُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّه من الناس» .

[[سورة المائدة (٥) : آية ٦٨]]

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨)

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِالتَّبْلِيغِ سَوَاءٌ طَابَ لِلسَّامِعِ أَوْ ثَقُلَ عَلَيْهِ أَمَرَ بِأَنْ يَقُولَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ هَذَا الْكَلَامَ وَإِنْ كَانَ مما يشق عليهم جدا فقال قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَسْتُمْ/ عَلى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ وَلَا فِي أَيْدِيكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، كَمَا تَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتَ تَحْقِيرَهُ وَتَصْغِيرَ شَأْنِهِ.

وَقَوْلُهُ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً.

وَهَذَا مَذْكُورٌ فِيمَا قَبْلُ، وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: لَا تَأْسَفْ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ طُغْيَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، فَإِنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ لَا إِلَيْكَ وَلَا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ. الثَّانِي: لَا تَتَأَسَّفْ بِسَبَبِ نُزُولِ اللَّعْنِ وَالْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِذَلِكَ،

رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَاءَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَقَالُوا:

يَا مُحَمَّدُ أَلَسْتَ تُقِرُّ أَنَّ التَّوْرَاةَ حَقٌّ مِنَ اللَّه تَعَالَى؟ قَالَ بَلَى، قَالُوا: فَإِنَّا مُؤْمِنُونَ بِهَا وَلَا نؤمن بغيرها، فنزلت هذه الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>