للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْخٍ صِدِّيقٍ نَبِيٍّ اسْمُهُ يَعْقُوبُ قَالَ: كَمْ أَنْتُمْ قَالُوا: كُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ فَهَلَكَ مِنَّا وَاحِدٌ وَبَقِيَ وَاحِدٌ مَعَ الْأَبِ يَتَسَلَّى بِهِ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي هَلَكَ، وَنَحْنُ عَشَرَةٌ وَقَدْ جِئْنَاكَ قَالَ: فَدَعُوا بَعْضَكُمْ عِنْدِي رَهِينَةً وَائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ لِيُبَلِّغَ إِلَيَّ رِسَالَةَ أَبِيكُمْ فَعِنْدَ هَذَا أَقْرَعُوا بَيْنَهُمْ فَأَصَابَتِ الْقُرْعَةُ شَمْعُونَ، وَكَانَ أَحْسَنَهُمْ رَأْيًا فِي يُوسُفَ فَخَلَّفُوهُ عِنْدَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: لَعَلَّهُمْ لَمَّا ذَكَرُوا أَبَاهُمْ قَالَ يُوسُفُ: فَلِمَ تَرَكْتُمُوهُ وَحِيدًا فَرِيدًا؟ قَالُوا: مَا تَرَكْنَاهُ وَحِيدًا، بَلْ بَقِيَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ. فَقَالَ لَهُمْ: لِمَ اسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ وَلِمَ خَصَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَجْلِ نَقْصٍ فِي جَسَدِهِ؟ فَقَالُوا: لَا.

بَلْ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِسَائِرِ الْأَوْلَادِ فَعِنْدَ هَذَا قَالَ يُوسُفُ لِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ أَبَاكُمْ رَجُلٌ عَالِمٌ حَكِيمٌ بَعِيدٌ عَنِ الْمُجَازَفَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ خَصَّهُ بِمَزِيدِ الْمَحَبَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَيْكُمْ فِي الْفَضْلِ، وَصِفَاتِ الْكَمَالِ مَعَ أَنِّي أَرَاكُمْ فُضَلَاءَ عُلَمَاءَ حُكَمَاءَ فَاشْتَاقَتْ نَفْسِي إِلَى رُؤْيَةِ ذَلِكَ الْأَخِ فَائْتُونِي بِهِ، وَالسَّبَبُ الثَّانِي: ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ مُحْتَمَلٌ واللَّه أَعْلَمُ.

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ أَيْ أُتِمُّهُ وَلَا أَبْخَسُهُ، وَأَزِيدُكُمْ حِمْلَ بَعِيرٍ آخَرَ لِأَجْلِ أَخِيكُمْ، وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ، أَيْ خَيْرُ الْمُضِيفِينَ لِأَنَّهُ حِينَ أَنْزَلَهُمْ أَحْسَنَ ضِيَافَتَهُمْ. وَأَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ يُضْعِفُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَهُوَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ، لِأَنَّ مَدَارَ ذَلِكَ الْوَجْهِ عَلَى أَنَّهُ اتَّهَمَهُمْ وَنَسَبَهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ جَوَاسِيسُ، وَلَوْ شَافَهَهُمْ بِذَلِكَ الكلام فلا يليق به أن يقوم لَهُمْ: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ وَأَيْضًا يَبْعُدُ مِنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ كَوْنِهِ صِدِّيقًا أَنْ يَقُولَ لَهُمْ أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ وَعُيُونٌ، مَعَ أَنَّهُ يَعْرِفُ بَرَاءَتَهُمْ عَنْ هَذِهِ التُّهْمَةِ، لِأَنَّ الْبُهْتَانَ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الصِّدِّيقِ.

ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمْ إِحْضَارَ ذَلِكَ الْأَخِ جَمَعَ بَيْنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. أَمَّا التَّرْغِيبُ: فَهُوَ قَوْلُهُ: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ وَأَمَّا التَّرْهِيبُ: فَهُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي نِهَايَةِ الْحَاجَةِ إِلَى تَحْصِيلِ الطَّعَامِ، وَمَا كَانَ يُمْكِنُهُمْ تَحْصِيلُهُ إِلَّا مِنْ عِنْدِهِ، فَإِذَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْحُضُورِ عِنْدَهُ كَانَ ذَلِكَ نِهَايَةَ التَّرْهِيبِ وَالتَّخْوِيفِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ مِنْ يُوسُفَ قَالُوا: سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ أَيْ سَنَجْتَهِدُ وَنَحْتَالُ عَلَى أَنْ نَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ، وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ هَذِهِ الْمُرَاوَدَةَ، وَالْغَرَضُ مِنَ التَّكْرِيرِ/ التَّأْكِيدُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ أَنْ نَجِيئَكَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ كُلَّ مَا فِي وُسْعِنَا مِنْ هذا الباب.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٢ الى ٦٤]

وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ لِفِتْيَانِهِ بِالْأَلِفِ وَالنُّونِ وَالْبَاقُونَ لفتيته بالتاء

<<  <  ج: ص:  >  >>