للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهوذا، وَهُوَ الَّذِي نَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِ يُوسُفَ، ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنْ هَذَا الْكَبِيرِ أَنَّهُ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: لَمَّا قَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ [يوسف: ٧٩] غضب يهوذا، وَكَانَ إِذَا غَضِبَ وَصَاحَ فَلَا تَسْمَعُ صَوْتَهُ حَامِلٌ إِلَّا وَضَعَتْ وَيَقُومُ شَعْرُهُ عَلَى جَسَدِهِ فَلَا يَسْكُنُ حَتَّى يَضَعَ بَعْضُ آلِ يَعْقُوبَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِبَعْضِ إِخْوَتِهِ اكْفُونِي أَسْوَاقَ أَهْلِ مِصْرَ وَأَنَا أَكْفِيكُمُ الْمَلِكَ فَقَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ مِسَّهُ فَمَسَّهُ فَذَهَبَ غَضَبُهُ وَهَمَّ أَنْ يَصِيحَ فَرَكَضَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رِجْلَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَأَخَذَ بِمَلَابِسِهِ وَجَذَبَهُ فَسَقَطَ فَعِنْدَهُ قَالَ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ، فَلَمَّا أَيِسُوا مِنْ قَبُولِ الشَّفَاعَةِ تَذَاكَرُوا وَقَالُوا: إِنَّ أَبَانَا قَدْ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا عَظِيمًا مِنَ اللَّه. وَأَيْضًا نَحْنُ مُتَّهَمُونَ بِوَاقِعَةِ يُوسُفَ فَكَيْفَ الْمَخْلَصُ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَفْظُ مَا فِي قَوْلِهِ: مَا فَرَّطْتُمْ فِيهَا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَرَّطْتُمْ فِي شَأْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ تَحْفَظُوا عَهْدَ أَبِيكُمْ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَمَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ الظَّرْفُ، وَهُوَ مِنْ قَبْلُ. وَمَعْنَاهُ وَقَعَ مِنْ قَبْلُ تَفْرِيطُكُمْ فِي يُوسُفَ، الثَّالِثُ: النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى مَفْعُولِ أَلَمْ تَعْلَمُوا وَالتَّقْدِيرُ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَخْذَ أَبِيكُمْ مَوْثِقَكُمْ وَتَفْرِيطَكُمْ مِنْ قَبْلُ فِي يُوسُفَ. الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى وَمِنْ قَبْلِ هَذَا مَا فَرَّطْتُمُوهُ أَيْ قَدَّمْتُمُوهُ فِي حَقِّ يُوسُفَ مِنَ الْخِيَانَةِ الْعَظِيمَةِ، وَمَحَلُّهُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ أَيْ فَلَنْ أُفَارِقَ أَرْضَ مِصْرَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي فِي الِانْصِرَافِ إِلَيْهِ أَوْ يَحْكُمَ اللَّه لِي بِالْخُرُوجِ مِنْهَا أَوْ بِالِانْتِصَافِ مِمَّنْ أَخَذَ أَخِي أَوْ بِخَلَاصِهِ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُرَادُ ظُهُورُ عُذْرٍ يَزُولُ مَعَهُ حَيَاؤُهُ وَخَجَلُهُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ انْقِطَاعًا إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي إِظْهَارِ عُذْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨١ الى ٨٢]

ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢)

وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمَّا تَفَكَّرُوا فِي الْأَصْوَبِ مَا هُوَ ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّ الْأَصْوَبَ هُوَ الرُّجُوعُ، وَأَنْ يَذْكُرُوا لِأَبِيهِمْ كَيْفِيَّةَ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَالَهُ ذَلِكَ الْكَبِيرُ الَّذِي قَالَ: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي قِيلَ إِنَّهُ رُوبِيلُ، وَبَقِيَ هُوَ فِي مِصْرَ وَبَعَثَ سَائِرَ إِخْوَتِهِ إِلَى الْأَبِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ حَكَمُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ قَدْ أَجَابَ بِالْجَوَابِ الشَّافِي، فَقَالَ الَّذِي جَعَلَ الصُّوَاعَ فِي رَحْلِي هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْبِضَاعَةَ فِي رَحْلِكُمْ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ شَاهَدُوا أَنَّ الصُّوَاعَ كَانَ مَوْضُوعًا فِي مَوْضِعٍ مَا كَانَ يَدْخُلُهُ أَحَدٌ إِلَّا هُمْ، فَلَمَّا شَاهَدُوا أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا الصُّوَاعَ مِنْ رَحْلِهِ غَلَبَ عَلَى ظُنُونِهِمْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخَذَ الصُّوَاعَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَضَعَ الصُّوَاعَ فِي رَحْلِي مَنْ وَضَعَ الْبِضَاعَةَ فِي رِحَالِكُمْ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ هُنَاكَ لَمَّا رَجَعُوا بِالْبِضَاعَةِ إِلَيْهِمُ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ هم الذين

<<  <  ج: ص:  >  >>