للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمُ النَّفْسُ وَالشَّهْوَةُ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ فَقَطْ ثَانِيهَا: الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ النَّفْسُ وَالشَّهْوَةُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمُ الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ وَهِيَ الْبَهَائِمُ وَثَالِثُهَا: الْأَشْيَاءُ الْخَالِيَةُ عَنِ الْقِسْمَيْنِ، وَهِيَ الْجَمَادَاتُ وَبَقِيَ فِي التَّقْسِيمِ قِسْمٌ رَابِعٌ: وَهُوَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْإِنْسَانُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَخْلِيقِ الْإِنْسَانِ لَيْسَ هُوَ الْجَهْلَ وَالتَّقْلِيدَ وَالتَّكَبُّرَ وَالتَّمَرُّدَ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ صِفَاتُ الْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْ تَخْلِيقِهِ ظُهُورُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالطَّاعَةِ، فَقَوْلُهُ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ يَعْنِي أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَإِنْ حَصَلَتْ فِيهِ الشَّهْوَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الْفَسَادِ وَالْغَضَبِ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ، لَكِنْ حَصَلَ فِيهِ الْعَقْلُ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْخِدْمَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَجَابَ الْمَلَائِكَةَ بِهَذَا الْجَوَابِ وَجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي اكْتِسَابِهَا، وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ طَرِيقَةِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْإِصْرَارِ وَالتَّكَبُّرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ وَقَفَ عَلَى كَيْفِيَّةِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ صَارَ وُقُوفُهُ عَلَيْهَا دَاعِيًا لَهُ إِلَى الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي اكْتِسَابِ الْمَعَارِفِ الْحَقَّةِ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ زَاجِرًا لَهُ عَنْ أَضْدَادِهَا وَمُقَابَلَاتِهَا، فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ. فَإِنْ قِيلَ الْمَلَائِكَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمُ اخْتَصَمُوا بِسَبَبِ قَوْلِهِمْ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [الْبَقَرَةِ: ٣٠] فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَعَ اللَّهِ كُفْرٌ، قُلْنَا لَا شَكَّ أَنَّهُ جَرَى هُنَاكَ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ، وَذَلِكَ يُشَابِهُ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ وَالْمُشَابَهَةُ عِلَّةٌ لِجَوَازِ الْمَجَازِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظُ الْمُخَاصَمَةِ عَلَيْهِ، وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَبِيلِ الرَّمْزِ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ يَعْنِي أَنَا مَا عَرَفْتُ هَذِهِ الْمُخَاصَمَةَ إِلَّا بِالْوَحْيِ، وَإِنَّمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِأُنْذِرَكُمْ بِهَا وَلِتَصِيرَ هَذِهِ الْقِصَّةُ حَامِلَةً لَكُمْ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الطَّاعَةِ والاحتراز عن الجهل والتقليد.

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧١ الى ٨٥]

إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥)

قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠)

إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>