ثم قال تعالى:
[[سورة النازعات (٧٩) : آية ٤٥]]
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّكَ إِنَّمَا بُعِثْتَ لِلْإِنْذَارِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِكَ/ بِوَقْتِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ، بَلْ لَوْ أَنْصَفْنَا لَقُلْنَا: بِأَنَّ الْإِنْذَارَ وَالتَّخْوِيفَ إِنَّمَا يَتِمَّانِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْعِلْمُ بِوَقْتِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ حَاصِلًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُنْذِرٌ لِلْكُلِّ إِلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَنْ يَخْشَى، لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْإِنْذَارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قُرِئَ مُنْذِرٌ بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ الْأَصْلُ، قَالَ الزَّجَّاجُ: مُفْعِلٌ وَفَاعِلٌ إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ أَوْ لِلْحَالِ يُنَوَّنُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بَدَلًا مِنَ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ لَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً وَيَجُوزُ حَذْفُ التَّنْوِينِ لِأَجْلِ التَّخْفِيفِ وَكِلَاهُمَا يَصْلُحُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، فَإِذَا أُرِيدَ الْمَاضِي فَلَا يَجُوزُ إِلَّا الإضافة كقوله هو منذر زيد أمس. ثم قال تعالى:
[[سورة النازعات (٧٩) : آية ٤٦]]
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)
وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ [الْأَحْقَافِ: ٣٥] وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا أَنْكَرُوهُ سَيَرَوْنَهُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ أَبَدًا فِيهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ مَضَتْ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: أَوْ ضُحاها مَعْنَاهُ ضُحَى الْعَشِيَّةِ وَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَشِيَّةِ ضُحًى:
قُلْنَا الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْهَاءُ وَالْأَلِفُ صِلَةٌ لِلْكَلَامِ يُرِيدُ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحًى وَثَانِيهَا: قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: الْمُرَادُ بِإِضَافَةِ الضُّحَى إِلَى الْعَشِيَّةِ إِضَافَتُهَا إِلَى يَوْمِ الْعَشِيَّةِ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِلَّا عَشِيَّةَ أَوْ ضُحَى يَوْمِهَا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: آتِيكَ الْعَشِيَّةَ أَوْ غَدَاتَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَثَالِثُهَا: أَنَّ النَّحْوِيِّينَ قَالُوا يَكْفِي فِي حُسْنِ الْإِضَافَةِ أَدْنَى سَبَبٍ، فَالضُّحَى الْمُتَقَدِّمُ عَلَى عَشِيَّةٍ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ ضُحَى تِلْكَ الْعَشِيَّةِ، وَزَمَانُ الْمِحْنَةِ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعَشِيَّةِ وَزَمَانُ الرَّاحَةِ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالضُّحَى، فَالَّذِينَ يُحْضَرُونَ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ يُعَبِّرُونَ عَنْ زَمَانِ مِحْنَتِهِمْ بِالْعَشِيَّةِ وَعَنْ زَمَانِ رَاحَتِهِمْ بِضُحَى تِلْكَ الْعَشِيَّةِ فَيَقُولُونَ: كَأَنَّ عُمْرَنَا فِي الدُّنْيَا مَا كَانَ إِلَّا هَاتَيْنِ السَّاعَتَيْنِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute