لَا نَدْرِي كَمْ مَضَى وَكَمْ بَقِيَ الْقَوْلُ الرَّابِعُ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ مِنَ اللَّهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِطَالَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِشِدَّتِهِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَقْدِيرَ مُدَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَقْدِيرَ الْعَذَابِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، بَلِ الْمُرَادُ التَّنْبِيهُ عَلَى طُولِ مُدَّةِ الْعَذَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي سَأَلَهُ ذَلِكَ السَّائِلُ يَكُونُ مُقَدَّرًا بِهَذِهِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يَنْقُلُهُ إِلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْعَذَابِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَنْ قَوْلِهِ: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ [السَّجْدَةِ: ٥] فَقَالَ: أَيَّامٌ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ أَعْلَمُ بِهَا كَيْفَ تَكُونُ، وَأَكْرَهُ أن أقول فيها مالا أَعْلَمُ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا قَوْلُكُمْ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ؟ قُلْنَا: قَالَ وَهْبٌ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا مَا بَيْنَ أَسْفَلِ الْعَالَمِ إِلَى أَعْلَى شُرُفَاتِ الْعَرْشِ مَسِيرَةُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَمِنَ أَعْلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةُ أَلْفِ سَنَةٍ، لِأَنَّ عَرْضَ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَمَا بَيْنَ أَسْفَلِ السَّمَاءِ إِلَى قَرَارِ الْأَرْضِ خَمْسُمِائَةٌ أُخْرَى، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فِي يَوْمٍ يُرِيدُ مِنَ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَهُوَ مِقْدَارُ أَلْفِ سَنَةٍ لَوْ صَعَدُوا فِيهِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَمِقْدَارُ أَلْفِ سَنَةٍ لَوْ صَعَدُوا إلى أعالي العرش.
[[سورة المعارج (٧٠) : آية ٥]]
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعلم أن هذا متعلق بسأل سَائِلٌ، لِأَنَّ اسْتِعْجَالَ النَّضْرِ بِالْعَذَابِ إِنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُضْجِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ فَأُمِرَ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَسْأَلُ عَنِ الْعَذَابِ لِمَنْ هُوَ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ عَلَى طَرِيقِ التَّعَنُّتِ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ، وَمَنْ قَرَأَ: سَأَلَ سائِلٌ فَمَعْنَاهُ جَاءَ الْعَذَابُ لِقُرْبِ وُقُوعِهِ فَاصْبِرْ فَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الِانْتِقَامِ.
المسألة الثانية: [في نزول الآية قبل أن يؤمر الرسول بالقتال.] قَالَ الْكَلْبِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يؤمر الرسول بالقتال.
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٦ الى ٧]
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧)
الضَّمِيرُ فِي يَرَوْنَهُ إِلَى مَاذَا يَعُودُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْعَذَابِ الْوَاقِعِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى: يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [الْمَعَارِجِ: ٤] أَيْ يَسْتَبْعِدُونَهُ عَلَى جِهَةِ الْإِحَالَةِ وَنحن نَراهُ قَرِيباً هَيِّنًا فِي قُدْرَتِنَا غَيْرَ بَعِيدٍ عَلَيْنَا وَلَا مُتَعَذِّرٍ. فَالْمُرَادُ بِالْبَعِيدِ الْبَعِيدُ مِنَ الْإِمْكَانِ، وبالقريب القريب منه.
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٨ الى ١٠]
يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠)
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يَوْمَ تَكُونُ مَنْصُوبٌ بِمَاذَا؟ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: بِقَرِيبًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَنَرَاهُ قَرِيبًا، يَوْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute