للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَسَمْتُ الدَّابَّةَ وَسَوَّمْتُهَا إِذَا أَرْسَلْتَهَا فِي مُرُوجِهَا لِلرَّعْيِ، كَمَا يُقَالُ: أَقَمْتُ الشَّيْءَ وَقَوَّمْتُهُ، وَأَجَدْتُهُ وَجَوَّدْتُهُ، وَأَنَمْتُهُ وَنَوَّمْتُهُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهَا إِذَا رَعَتِ ازْدَادَتْ حُسْنًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فِيهِ تُسِيمُونَ [النَّحْلِ: ١٠] .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْمُسَوَّمَةُ الْمُعَلَّمَةُ قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ السِّيمَا بِالْقَصْرِ وَالسِّيمَاءِ بِالْمَدِّ، وَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْهَيْئَةُ الْحَسَنَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الْفَتْحِ:

٢٩] ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعَلَامَةِ، فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ الْأَوْضَاحُ وَالْغُرَرُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْخَيْلِ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْأَفْرَاسُ غُرًّا مُحَجَّلَةً، وَقَالَ الْأَصَمُّ: إِنَّمَا هِيَ الْبَلَقُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الشِّيَةُ، وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: الْكَيُّ، وَقَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى شَرَائِفِ الْأَمْوَالِ، وَذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ أَغَرَّ مُحَجَّلًا، وَأَمَّا سَائِرُ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ شَرَفًا فِي الْفَرَسِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ: أَنَّهَا الْخَيْلُ الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ، قَالَ الْقَفَّالُ: الْمُطَهَّمَةُ الْمَرْأَةُ الْجَمِيلَةُ.

الْمَرْتَبَةُ السَّادِسَةُ: الْأَنْعامِ وَهِيَ جَمْعُ نَعَمٍ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَلَا يُقَالُ لِلْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهَا:

نَعَمٌ إِلَّا لِلْإِبِلِ خَاصَّةً فإنها غلبت عليها.

المرتبة السابعة: الْحَرْثِ وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِقَاقَهُ فِي قَوْلِهِ وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [الْبَقَرَةِ: ٢٠٥] .

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَدَّدَ هَذِهِ السَّبْعَةَ قَالَ: ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا قَالَ الْقَاضِي: وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَتَاعَهَا إِنَّمَا خُلِقَ لِيُسْتَمْتَعَ بِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِضَافَةُ التَّزْيِينِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا وُجُوهٌ: مِنْهَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ النِّعَمِ فَيَكُونُ مَذْمُومًا وَمِنْهَا أَنْ يَتْرُكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فَيَكُونَ أَيْضًا مَذْمُومًا، وَمِنْهَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي وَجْهٍ مُبَاحٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى مَصَالِحِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ لَا مَمْدُوحٌ وَلَا مَذْمُومٌ، وَمِنْهَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَصَالِحِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَمْدُوحُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ اعْلَمْ أَنَّ الْمَآبَ فِي اللُّغَةِ الْمَرْجِعُ، يُقَالُ: آبَ الرَّجُلُ إياباً وأوبة وأبية وَمَآبًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ أَنَّ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ الدُّنْيَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهَا إِلَى مَا يَكُونُ فِيهِ عِمَارَةٌ لِمَعَادِهِ وَيَتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى سَعَادَةِ آخِرَتِهِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ التَّرْغِيبَ فِي الْمَآبِ وَصَفَ الْمَآبَ بالحسن.

فإن قيل: المآب قسما: الْجَنَّةُ وَهِيَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَالنَّارُ وَهِيَ خَالِيَةٌ عَنِ الْحُسْنِ، فَكَيْفَ وَصَفَ الْمَآبَ الْمُطْلَقَ بِالْحُسْنِ.

قُلْنَا: الْمَآبُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ هُوَ الْجَنَّةُ، فَأَمَّا النَّارُ فَهِيَ الْمَقْصُودُ بِالْغَرَضِ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْخَلْقَ لِلرَّحْمَةِ لَا لِلْعَذَابِ، كَمَا قَالَ: سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي، وَهَذَا سِرٌّ يُطَّلَعُ مِنْهُ على أسرار غامضة.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥]]

قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥)

[في قوله تعالى قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ: