للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا الَّتِي هِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ حَقَّةً»

وَهَذَا تَقْسِيمٌ صَحِيحٌ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ ستة وأربعين جزءا من النبوة» .

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]

قالَ لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨)

[في قوله تعالى قالَ لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ بِجَوَابٍ لِمَا سألا عنه فلا بد هاهنا مِنْ بَيَانِ الْوَجْهِ الَّذِي لِأَجْلِهِ عَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الْجَوَابِ إِلَى هَذَا الْكَلَامِ وَالْعُلَمَاءُ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ جَوَابُ أَحَدِ السَّائِلِينَ أَنَّهُ يُصْلَبُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَتَى سَمِعَ ذَلِكَ عَظُمَ حُزْنُهُ وَتَشْتَدُّ نَفْرَتُهُ عَنْ سَمَاعِ هَذَا الْكَلَامِ، فَرَأَى أَنَّ الصَّلَاحَ أَنْ يُقَدِّمَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يُؤَثِّرُ مَعَهُ بِعِلْمِهِ وَكَلَامِهِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بِهَا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ خَرَجَ جَوَابُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ تُهْمَةٍ وَعَدَاوَةٍ. الثَّانِي: لَعَلَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ دَرَجَتَهُ فِي الْعِلْمِ أَعْلَى وَأَعْظَمُ مِمَّا اعْتَقَدُوا فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ عِلْمَ التَّعْبِيرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَبْنِيٌّ عَلَى الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ، فَبَيَّنَ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِخْبَارُ عَنِ الْغُيُوبِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ مَعَ عَجْزِ كُلِّ الْخَلْقِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَبِأَنْ يَكُونَ فَائِقًا عَلَى كُلِّ النَّاسِ فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ كَانَ أَوْلَى، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ تَقْرِيرَ كَوْنِهِ فَائِقًا فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ وَاصِلًا فِيهِ إِلَى مَا لَمْ يَصِلْ غَيْرُهُ، وَالثَّالِثُ: قَالَ السُّدِّيُّ: لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ في النوم بين ذلك أَنَّ عِلْمَهُ بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى شَيْءٍ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ الرَّابِعُ: لَعَلَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمَا اعْتَقَدَا فِيهِ وَقَبِلَا قَوْلَهُ: فَأَوْرَدَ عَلَيْهِمَا مَا دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّه تَعَالَى، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ الدِّينِ أَوْلَى مِنَ الِاشْتِغَالِ بِمُهِمَّاتِ الدُّنْيَا، وَالْخَامِسُ: لَعَلَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ سَيُصْلَبُ اجْتَهَدَ فِي أَنْ يُدْخِلَهُ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى لَا يَمُوتَ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَا يَسْتَوْجِبَ العقاب الشديد ولِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الْأَنْفَالِ: ٤٢] وَالسَّادِسُ: قَوْلُهُ: لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْيَقَظَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمَا أَيُّ طَعَامٍ هُوَ، وَأَيُّ لَوْنٍ هُوَ، وَكَمْ هُوَ، وَكَيْفَ يَكُونُ عَاقِبَتُهُ؟ أَيْ إِذَا أَكَلَهُ الْإِنْسَانُ فَهُوَ يُفِيدُ الصِّحَّةَ أَوِ السَّقَمَ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، قِيلَ: كَانَ الْمَلِكُ إِذَا أَرَادَ قَتْلَ إِنْسَانٍ صَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ يُوسُفُ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمَا أَنَّ فِيهِ سُمًّا أَمْ لَا، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ وَحَاصِلُهُ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّهُ ادَّعَى الْإِخْبَارَ عَنِ الْغَيْبِ، وَهُوَ يجري مجرى/ قوله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ، وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران: ٤٩] فَالْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ لِتَقْرِيرِ كَوْنِهِ فَائِقًا فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ، وَالْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ الْأُخَرُ لِتَقْرِيرِ كَوْنِهِ نَبِيًّا صَادِقًا مِنْ عِنْدِ اللَّه تَعَالَى.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى ادِّعَاءِ الْمُعْجِزَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمِ ادِّعَاءٌ لِلنُّبُوَّةِ؟

قُلْنَا: إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ ذَكَرَهُ، وَأَيْضًا فَفِي قَوْلِهِ: ذلِكُما مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>