للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أُرِيدَ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ وَإِذَا قِيلَ اسْتَخْلَفَ فَالْمُرَادُ عَلَى طَرِيقَةِ الْوَصْفِ وَالْأَمْرِ وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ حَمْلَ لَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازٌ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَعَنِ الْخَامِسِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا:

قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ كَانَ مَعَ الْحَاضِرِينَ وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ مَا كَانُوا حَاضِرِينَ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَهُمُ الْقُوَّةَ وَالشَّوْكَةَ وَالنَّفَاذَ فِي الْعَالَمِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيهِ فَثَبَتَ بِهَذَا صِحَّةُ إِمَامَةِ الْأَئِمَّةِ/ الْأَرْبَعَةِ وَبَطَلَ قَوْلُ الرَّافِضَةِ الطَّاعِنِينَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْخَوَارِجِ الطَّاعِنِينَ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَلْنَرْجِعْ إِلَى التَّفْسِيرِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَيْنَ الْقَسَمُ الْمُتَلَقَّى بِاللَّامِ وَالنُّونِ فِي لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ، قُلْنَا: هُوَ محذوف تقديره: وعدهم اللَّه [وأقسم] «١» لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ أَوْ نَزَلَ وَعْدُ اللَّه فِي تَحَقُّقِهِ مَنْزِلَةَ الْقَسَمِ فَتُلُقِّيَ بِمَا يُتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ كَأَنَّهُ قَالَ أَقْسَمَ اللَّه لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ.

أَمَّا قَوْلُهُ: كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي كَمَا اسْتَخْلَفَ هَارُونَ وَيُوشَعَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَتَقْدِيرُ النَّظْمِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمُ اسْتِخْلَافًا كَاسْتِخْلَافِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقُرِئَ كَمَا اسْتُخْلِفَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَقُرِئَ بِالْفَتْحِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُثَبِّتُ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ ويعقوب وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ ومن الْإِبْدَالِ بِالتَّخْفِيفِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها [النِّسَاءِ: ٥٦] .

أَمَّا قَوْلُهُ: يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عَنَاهُمْ لَا يَتَغَيَّرُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّه تَعَالَى إِلَى الشِّرْكِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ عَلَى مَعْنَى: وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي حَالِ عِبَادَتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ للَّه لَيَفْعَلَنَّ بِهِمْ كَيْتَ وَكَيْتَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا عَلَى طَرِيقِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ أَيْ جَحَدَ حَقَّ هَذِهِ النِّعَمِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي العاصون.

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)

أَمَّا تَفْسِيرُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَفْظَةِ لَعَلَّ وَلَفْظَةِ الرَّحْمَةِ، فَالْكُلُّ قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ فَالْمَعْنَى لَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ كَفَرُوا سَابِقِينَ فَائِقِينَ حَتَّى يُعْجِزُونَنِي عَنْ إِدْرَاكِهِمْ. وَقُرِئَ لَا يَحْسَبَنَّ بِالْيَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ تَحْتِهَا، وَفِيهِ أَوْجُهٌ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ هُمَا الْمَفْعُولَانِ، وَالْمَعْنَى لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا/ أَحَدًا يُعْجِزُ اللَّه فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَطْمَعُوا هُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَمِيرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتقدم ذكره في قوله: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور: ٥٤] وَالْمَعْنَى: لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ وَلَا يَحْسَبَنَّهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ، ثُمَّ حُذِفَ الضَّمِيرُ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ الأول.


(١) زيادة من الكشاف ٣/ ٧٤ ط. دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>