للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشِّدَّةِ وَالْجَلَادَةِ وَكَوْنَ بَعْضِهِمْ مُحِبًّا لِلْبَاقِينَ نَاصِرًا لَهُمْ وَزَوَالَ الْعَدَاوَةِ وَالْخُصُومَةِ مِنْ بَيْنِهِمْ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَصَّهُمْ بِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ فَقَدْ قَرَّرَ لَهُمْ حُصُولَهَا فَصَحَّ أَنْ يقال: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً وَلَمَّا ذَكَرَ هُودٌ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ النِّعْمَةِ قَالَ: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَفِيهِ بَحْثَانِ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: لَا بُدَّ فِي الْآيَةِ مِنْ إِضْمَارٍ وَالتَّقْدِيرُ: وَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَاعْمَلُوا عَمَلًا يَلِيقُ بِتِلْكَ الْإِنْعَامَاتِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَإِنَّمَا أَضْمَرْنَا الْعَمَلَ لِأَنَّ الصَّلَاحَ الَّذِي هُوَ الظَّفَرُ بِالثَّوَابِ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّذَكُّرِ بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ وَاسْتَدَلَّ الطَّاعِنُونَ فِي وُجُوبِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَ حُصُولَ الصَّلَاحِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّذَكُّرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدُ التَّذَكُّرِ كَافِيًا فِي حُصُولِ الصَّلَاحِ وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ سَائِرَ الْآيَاتِ نَاطِقَةٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْعَمَلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آلاءَ اللَّهِ أَيْ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَاحِدُ الْآلَاءِ إِلًى وَأَلْوٌ وَإِلْيٌ. قَالَ الْأَعْشَى:

أَبْيَضُ لَا يَرْهَبُ الْهُزَالَ وَلَا ... يَقْطَعُ رَحِمًا وَلَا يَخُونُ إِلًى

قَالَ نَظِيرُ الْآلَاءِ الْآنَاءُ، وَاحِدُهَا: أَنًا وَإِنًى وَإِنْيٌ وَزَادَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي الْأَمْثِلَةِ فَقَالَ: ضِلَعٌ وَأَضْلَاعٌ وَعِنَبٌ وَأَعْنَابٌ.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٠ الى ٧٢]

قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)

[قَوْلُهُ تَعَالَى قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ] اعْلَمْ أَنَّ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ وَصَرِيحُ الْعَقْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَصْنَامِ شَيْءٌ مِنَ النِّعَمِ عَلَى الْخَلْقِ لِأَنَّهَا جَمَادَاتٌ وَالْجَمَادُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعِبَادَةَ نِهَايَةُ التَّعْظِيمِ وَنِهَايَةُ التَّعْظِيمِ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِمَنْ يَصْدُرُ عَنْهُ نِهَايَةُ الْإِنْعَامِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يجب عليهم ان يعبدو اللَّهَ وَأَنْ لَا يَعْبُدُوا شَيْئًا مِنَ الْأَصْنَامِ وَمَقْصُودُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذِكْرِ أَقْسَامِ إِنْعَامِهِ عَلَى الْعَبِيدِ هَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ إِنَّ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْحُجَّةَ الْيَقِينِيَّةَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقَوْمِ جَوَابٌ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا إِلَّا التَّمَسُّكَ بطريقة التقليد فقالوا:

أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ثُمَّ قَالُوا: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ:

اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ [الأعراف: ٦٥] فَقَوْلُهُ: أَفَلا تَتَّقُونَ مُشْعِرٌ بِالتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ بِالْوَعِيدِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ كَوْنَهُ كَاذِبًا بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ [الأعراف: ٦٦] فَلَمَّا اعْتَقَدُوا كَوْنَهُ كَاذِبًا قَالُوا لَهُ: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا وَالْغَرَضُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْتِهِمْ بِذَلِكَ الْعَذَابِ ظَهَرَ لِلْقَوْمِ كَوْنُهُ كَاذِبًا وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْوَعْدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَلَا جَرَمَ اسْتَعْجَلُوهُ عَلَى هذا الحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>