للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَعِنْدَ هَذَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً وَفِيهِ مَبَاحِثُ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو زَاكِيَةً بِالْأَلِفِ وَالْبَاقُونَ زَكِيَّةً بِغَيْرِ أَلِفٍ قَالَ الْكِسَائِيُّ: الزَّاكِيَةُ وَالزَّكِيَّةُ لُغَتَانِ وَمَعْنَاهُمَا الطَّاهِرَةُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الزَّاكِيَةُ الَّتِي لَمْ تُذْنِبُ وَالزَّكِيَّةُ الَّتِي أَذْنَبَتْ ثُمَّ تَابَتْ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَقْتُلَ النَّفْسَ إِلَّا لِأَجْلِ الْقِصَاصِ بِالنَّفْسِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ دَمُهُ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ السَّبَبَ الْأَقْوَى هُوَ ذَلِكَ.

الْبَحْثُ الثَّالِثُ: النُّكْرُ أَعْظَمُ مِنَ الْإِمْرِ فِي الْقُبْحِ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قَتْلَ الْغُلَامِ أَقْبَحُ مِنْ خَرْقِ السَّفِينَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَا كَانَ إِتْلَافًا لِلنَّفْسِ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ لا يحصل الغرق، أما هاهنا حَصَلَ الْإِتْلَافُ قَطْعًا فَكَانَ أَنْكَرَ وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أَيْ عَجَبًا وَالنُّكْرُ أَعْظَمُ مِنَ الْعَجَبِ وَقِيلَ النُّكْرُ مَا أَنْكَرَتْهُ الْعُقُولُ وَنَفَرَتْ عَنْهُ النُّفُوسُ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي تَقْبِيحِ الشَّيْءِ مِنَ الْإِمْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْإِمْرُ أَعْظَمُ. قَالَ: لِأَنَّ خَرْقَ السَّفِينَةِ يؤدي إلى إتلاف نفوس كثيرة وهذ الْقَتْلُ لَيْسَ إِلَّا إِتْلَافَ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَأَيْضًا الْإِمْرُ هُوَ الدَّاهِيَةُ الْعَظِيمَةُ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ النُّكْرِ وَإِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ ذَلِكَ الْعَالِمِ أَنَّهُ مَا زَادَ عَلَى أَنْ ذَكَّرَهُ مَا عَاهَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَهَذَا عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إِلَّا أَنَّهُ زَادَ هاهنا لَفْظَةَ لَكَ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تُؤَكِّدُ التَّوْبِيخَ فَعِنْدَ هَذَا قَالَ مُوسَى: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي مَعَ الْعِلْمِ بِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى مُصَاحَبَتِهِ وَهَذَا كَلَامُ نَادِمٍ شَدِيدِ النَّدَامَةِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْدَحُهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ حَيْثُ احْتَمَلَهُ مَرَّتَيْنِ أَوَّلًا وَثَانِيًا، مَعَ قُرْبِ الْمُدَّةِ وَبَقِيَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ. الْأَوَّلُ: قَرَأَ نَافِعٌ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ وَقَالُونُ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ نُكُرًا بِضَمِّ الْكَافِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَالْبَاقُونَ سَاكِنَةَ الْكَافِ حَيْثُ كَانَ وَهُمَا لغتان. الثاني: الكل قرءوا: فَلا تُصاحِبْنِي بِالْأَلِفِ إِلَّا يَعْقُوبَ فَإِنَّهُ قَرَأَ: (لَا تَصْحَبْنِي) مِنْ صَحِبَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ/ الثَّالِثُ: فِي لَدُنِّي قراءات. الأولى: قراءة نافع وأبي فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَاصِمٍ: مِنْ لَدُنِي بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَضَمِّ الدَّالِ. الثَّانِيَةُ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: لَدُنِّي مُشَدَّدَةَ النُّونِ وَضَمَّ الدَّالِ. الثَّالِثَةُ: قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بالإشمام وغير إشباع. الرابعة:

لَدُنِّي بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الدَّالِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَاصِمٍ وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ كُلُّهَا لُغَاتٌ في هذه اللفظة.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨)

اعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ الْقَرْيَةَ هِيَ أَنْطَاكِيَّةُ وقيل هي الأيلة وهاهنا سُؤَالَاتٌ: الْأَوَّلُ: إِنَّ الِاسْتِطْعَامَ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْكِرَامِ فَكَيْفَ أَقْدَمَ عَلَيْهِ مُوسَى وَذَلِكَ الْعَالِمُ لِأَنَّ مُوسَى كَانَ مِنْ عَادَتِهِ عَرْضُ الْحَاجَةِ وَطَلَبُ الطَّعَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى عِنْدَ وُرُودِ مَاءِ مَدْيَنَ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [الْقَصَصِ: ٢٤] . الْجَوَابُ: أَنَّ إِقْدَامَ الْجَائِعِ عَلَى الِاسْتِطْعَامِ أَمْرٌ مُبَاحٌ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ بَلْ رُبَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ عِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ الشَّدِيدِ. السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ قَالَ: حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها وَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>